السفينة فيلادلفيا
فيلادلفيا
————
قصة أسر واحراق السفينة فيلادلفيا في الثرات الشعبي الطرابلسي كما توارثها سكان طرابلس .
ذكر الرحالة والمغامر الأمريكي تشارلز ويلنجتون فيرلونج اثناء زيارته لطرابلس سنة 1908 انه فيما كان يبحث عن معلومات وبقايا السفينة فيلادلفيا بأنه التقي بالحاج" محمد القبرون " رحمه الله" الذي كان كبير فالسن حينها حسب وصفه وذكر له القصة التي سمعها من والده والذي كان بدورة احد حراس القلعة خلال تلك الحرب وكان شاهدا علي اسر واحراق فيلادلفيا.
والمثير فالموضوع ان هذه الرواية سمعها تشارلز فيرلونج بعد اكثر من 100 سنة من الواقعة و احداثها تطابق الواقع بشكل كبير!
وهذا نص الرواية :
خرجنا إلى هجير الشمس عند بداية الظهيرة وبعد مشوار استغرق بضع دقائق كنا بالسوق، حيث قبل أن يصل الإنسان إلى سوق الخياطين ومحلات صاغة الفضة والنحاس يبلغ مقهى صغير داخل هذا المكان كان الحاج محمد القبرون يجلس عند ركن المقهى وقد تلفح بجرده البني، وكان رجلا طاعنا في السن ولكنه قوي ومتماسك وكان يدخن الشيشة من أنبوب طويل. نظر إلينا من تحت حاجبين متدليين ووجه حمصته الشمس وله عينان سوداوان تلمعان كخنفساء الرمل. وبعد سلام كثير شربنا قهوة قدمها لنا وبدأ رفيقي الجواشي الكلام، أخذت عينا الرجل الصغيرتان تلمعان كجمرات حية ونظر إلى نظرة فاحصة لا تخلو من الكراهية، ولبرهة اختفى لمعان العينين ويبدو أن الرجل العجوز فقد الاحساس بما حوله وأخذ يستجمع ماضيا مر عليه زمن طويل وبدأ يتحدث بصوت منخفض :
لقد قص على والدي القصة عدة مرات على هذا النحو :
في عام 1218 هجري وفي أواسط شهر رجب يا بنی، شوهدت أشرعة سفن ، حيث يلتقي الخالقان (الأفق الشرقي والغربي). كان الموسم موسم امطار والليالي باردة ولا يخرج الناس في المساء. في ذلك الوقت وصلت سفينة أمريكية من مسار بنغازي بنغازي و كانت تطارد فلوكة فقدت أحدي أشرعتها كان الريس العربي يعرف المسالك عبر الحيد البحري ووجه السفينة الكبيرة لتتبعه إلى المياه الضحلة وجنحت السفينة.
التف حولها كل الرياس والفلوكات والكثير من الزوارق الصغيرة التي كانت تحمل عربا مسلحين، وكان الجمع أشبه بسوق الثلاثاء عندما يكون في ذروته. أطلق الأمريكيون النار من أسلحتهم الصغيرة وجرحوا ستة من رجالنا ولكن كان عدد العرب كبيرا.
وسرعان ما استولوا على السفينة وأنزلوا من كانوا على ظهرها وأدخلوهم القلعة. احدثت الواقعة ابتهاجا كبيرا وسط الناس، وضع يوسف باشا الضباط في زنزانة وسط القلعة تحت السطوح.
اما البحارة فقد ضربوا بالعصي وساقوهم كالعبيد، وكانوا لا يحملون مالا ويبدو عليهم الفقر ولا يملكون ما يشترون به طعامهم. وظل هؤلاء البحارة لعدة أيام يقومون بأعمال كثيرة في المياه الباردة كأن يزيحوا الرمال عن حطام سفينة، ويبنون المباني المدمرة ويرممون أماكن بالقلعة ويحملون الأشياء الثقيلة.
جر العرب السفينة من موقعها بالمرسي الكبير وربطوها قريبة من القلعة و المحجر الصحي. وبينما كان الناس يفرغون السفينة شاهد بحار عربي يدعی بوشاقور شيئا أبيض في فوهة مدفع و عندما فحصه وجد کيسين مملوئين بالمجيديات و ربما تكون دولارات أسبانية ،فردهما إلى مكانهما بسرعة. وعندما حل المساء أخذ الكيسين إلى زورقه ودفنهما في موقع قريب من المحجر الصحي ورجع إلى السفينة الكبيرة حيث كل يعمل حارسا . وبعد ثلاثة أيام اشتری منزلين.!
صينت السفينة وجعلناها تبدو وكأنها جديدة، بقيت السفينة في مكانها قرب القلعة لأيام كثيرة وقد رفع عليها علمنا . وكان أولئك الذين يسكنون في الحوازات خارج المدينة وفي الأودية يذهبون إليها للتفرج عليها على زوارق صغيرة. عندما حل شهر رمضان رفعت عليها راية النبي محمد، وعند نهاية الشهر كانت مدافعها تخطر الناس بنهاية شهر الصيام وقدوم العيد.
كان يوسف باشا يأمل في الحصول على مال كثير من هذه الدولة الغنية، ولكن الشيخ الحاج محمد بيت المال أخبر يوسف باشا بأن الأمريكيين لن يدعوه يحتفظ بها زمنا طويلا. وكان يوسف باشا يسخر من ذلك ويقول للشيخ إنه يتحدث على طريقة النساء، كان يوسف باشا مطمئن لان المدينة تكتظ بالجنود العرب المسلحين، وكان كل الرياس على أهبة الاستعداد ومدافعهم معبأة.
كنت با بني أعمل عند باب البحر وأحيانا أعمل داخل القلعة عند البواية. كنت احتفظ ببندقيتي معباة.
أصبحنا مطمئنين للأمر بحيث لم يبق سوى عشرة رجال يحرسون السفينة.
مرت أيام كثيرة وانقضى شهر رمضان، وفي أواسط شهر ذي القعدة من عام 1219 هجري أصبحنا نخشى من هجوم وذلك لأننا كنا نرى أشرعة غريبة كثيرة عندما تكون الشمس في كبد السماء. كنت أعمل حارسا عند بوابة القلعة. وفي إحدى الأمسيات، وبعد غروب الشمس مباشرة شاهدنا على الناحية الغربية سفينة شراعية وسط المرفأ اعتقدنا أنها سفينة تجارية قادمة من مالطا ولكن اتضح أنها تحمل أمريكيين يرتدون ملابس مالطية، وكانوا يعلمون أن بوابات المدينة أغلقت وأن الريس الكبير لن يمنحهم أمرا بالدخول قبل صباح اليوم التالي، بعد أن أدى الناس صلاة العشاء وتأهبوا للنوم سمعنا صرخات تطلق من الميناء. لقد هاجموا وقتلوا بعض الحراس الذين كانوا بالسفينة الكبيرة وفر الباقون وأشعلوا في السفينة النار مستخدمين القار والزيت.
وفجأة ارتفعت السنة اللهب من على السفينة الأمريكية. لهؤلاء الأمريكان عقليات حكيمة. عندما يفقدون سفينة لا يتركونها لعدوهم.
وعم الارتباك جميع أرجاء المدينة، كان الرجال يتصايحون والنساء يصرخن وارتفعت أصوات المدافع من القلعة. كثيرون اعتقدوا أن القلعة سقطت. الكل خرج إلى الشوارع وهم يحملون أسلحتهم، البعض توجهوا إلى الحوازات القريبة من طرابلس فقابلوا القادمين من البوادي و القرى، صعدت إلى سطح المنزل لأشاهد ما يحدث وكان معي محمد العويتي. وازدادت الجموع الاتية من تاجوراء وجنزور كان الناس من تحتنا يتدافعون صوب البوابة الداخلية لباب البحر لمقابلة العدو وكانوا كوادٍ تندفع سيوله نحو البحر.
شاهدنا النيران المتصاعدة من السفينة، بدأت النار في وسط السفينة ثم حدثت انفجارات في الذخيرة، ارتفعت من النار سحابة ضخمة من الدخان و أخذت تنتشر فوق الميناء ثم أخذت ترتفع إلى أحياء المدينة هرب الامريكان على سفينتهم وشاهدناهم يختفون في الظلام عبر مسلك جربة البحري ثم إلى وسط البحر. انقلب الليل نهارا بالميناء وأصبح المكان أكثر احمرارا من رمال الصحراء وقت الغروب. عندما تهب نسمة الرياح۔ فإن ألسنة النار تغير اتجاهها وتتجه نحو القلعة فأصبحت جدرانها حمراء كالدم.
" ظلت السفينة تحترق لثلاثة أيام وكانت السماء في الليل مثل هذا اللون الأصفر الذي على مقبض خنجري هذا. وكانت تشاهد من مسافات بعيدة، وقال كثيرون أنهم شاهدوها من جبل ترهونة وأماكن وراء ترهونة تبعد مسيرة أربعة أيام بالجمال. وبعد سنوات كثيرة من هذا كان الصيادون العرب والمالطيون يعثرون على أجزاء منها في الماء. هذه سفينة الامريكان.
أفهم ما قصصته عليك يا بني واحفظه في ذاكرتك.
ترك الحاج العجوز أنبوب الارجيلة وأنزل رجليه من على المقعد و أدخلهما في شبشبة، وبعد أن عض طرف ثوبه بأسنانه قفز على ضهر حماره واختفى في زحمة السوق."
بعد هذه الرواية أجر فيرلونج زورق يوناني و استطاع العثور علي بقايا فيلادلفيا في قعر الميناء واستطاع انتشال أجزاء صغيرة منها ونقلها معه الي امريكا.
- صورة لغلاف كتابة الذي قامت بترجمته دار الفرجاني بطرابلس وهو الذي اخذ منه هذا الأقتباس مع تعديل النص وتصحيح الترجمة من قبلي حيث انه عندما قارنت النسخة الاصلية الانجليزية للكتاب والترجمة لاحظت العديد من الأخطاء الجسيمة فالترجمة!
- -المقال منقول من المدون سامي القنبور