ظلت قبيلة الجوازي حتى القرن التاسع عشر الميلادي تعيش في وئام وانسجام مع اخوانهم الجبارنة وغيرهم في ربوع برقة واطراف مدينة بنغازی يمارسون فلاحة الأرض ورعي الماشية يجلبون الأعداد الهائلة من الحيوانات لتسويقها في مدينة بنغازی بجانب كميات من الأصواف والدسم والعسل والجلود ورش النعام او يذرعون بها الصحراء جنوبا إلى ( وادي ) بافريقيا او الاسكندرية . وكانت التجارة حوالي سنة ۱۸۰۰ م بين البلاد الليبية ومصر ومالطا ومارسيليا ( فرنسا) وافريقيا مزدهرة في حين ينقل الصوف إلى طرابلس لصنع الملابس والسجاجيد

كانت الأحوال تسير على ما يرام حتی استفحل طغيان الاسرة القره ماليه التی عاثت في البلاد فسادا وطغيانا واشتد ضغطها على الناس بجباية الضرائب والمكوس والا تاوات بكيفية مجحفة . وقد رفضت بعض القبائل دفع الاتاوات كالمحاميد في الغرب و الجوازي في برقة

وفي سبيل احكام السيطرة على البلاد كادت الأسرة القرمانلية أن تصفی نفسها وتقضي على القبائل الكبري . كانت هذه الأسرة قد انقسمت على نفسها فقد تمكن يوسف باشا من اقصاء شقيقه الذي تحالف مع الأمريكان ومهد لهم احتلال درنة فترة من الوقت . ولم يتورع يوسف باشا من ارتكاب جريمة قتل شقيقه حسن، كما أن والده لم ينج من مكائده حتى مات في ظروف غامضة . ثم كثرت المنازعات والمؤامرات بينه وبين اولاده الأربعة ، وقد حاول اكبرهم ويدعی محمد بك اغتيال والده يوسف بطعنة خنجر ، ولكنه سلم من ذلك باعجوبة وبدلا من أن ينزل به العقاب عينه حاكما على بنغازی ودرنه . وكانت الفتن على اشتها في الغرب ، وقد دفع المحاميد الثمن غاليا ، الأمر الذي دفع الشاعر الى القول : الى طرأ لكم يا محاميد . يطرأ لكم. یا جوازی ... الخ ، وهو تنبيه انطلق من الغرب إلى الجوازى في الشرق ليأخذوا حذرهم مما يدبر لهم في الحفاء من مكائد وبوصول محمد بك الى برقة انتقل معه الصراع إلى هنا ، واشعل بطموحه إلى کرسی او بلاط والده الصراع بين القبائل ، ذلك باعتباره جام بامره يمثل السلطة المدنية والعسكرية والقضائية ، وينفذ الأحكام التي يصدرها استطاع استقطاب بعض القبائل إلى جانبه والضغط بها على الآخرين . ونشت الفتنة بسبب محاولته ان يضرب فئة بأخرى في سبيل الحصول على أكبر قدر من المال بواسطة الضرائب المجحفة وتجنيد اكبر عدد من الرجال ليغزو بهم ) م ملكة ( ابيه)۱(

ونشب نزاع قبلي بين الجواز الرافضين لدفع الاتاوات والسلطة الحاكمة وبعض القبائل الموالية للسلطة . وكان الجوازى قد حاصروا مدينة بنغازی مدة ستة أشهر ۱۸۱۱/۱۰ م وانتشرت خلاها الفوضي واضطرب الامن وانقسم الجبارنة على انفسه بسبب نزوات افراد الأسرة القره مانلية، وكان حربا طاحنة اودت بحياة الكثيرين بين الجوازي والمجابرة وبعض المرابطين في جبهة والعواقير والمغارية والبراغيث والبراعصة في جبهة أخرى

وفي سنة ۱۸۱۷ م اعلن البك محمد حاكم بنغازي اعلن رأية العصيان على والده يوسف القرمانلي ، ونتيجة لذلك جهز الأخير حملة عسكرية لتأديب ابنه المتمرد والقضاء على القبيلة التي رفضت دفع الاتاوات . ويقول الدكتور باولو دی الاشيلا الذي رافق الحملة وعاصر الأحداث :

) رأى يوسف باشا القرمانلي انه لابد من استعمال القوة فاصدر اوامره المشايخ القبائل الغربية لتجهيز حملة يتناسب عددها مع افراد كل قبيلة ، وتحركت القوة بقيادة ابنه احمد بك الذي عينه قائدا ل لحملة وحاكما لبنغازي ليحل محل ابنه

المتمرد وذلك يوم 11 فبراير سنة ۱۸۱۷ م ) . وخلال شهر رمضان - كما يضيف دی لاشيلا - كانت تدبر في بنغازی واحدة من ابشع المؤامرات فعلى الرغم من أن قطرة دم واحدة لم تسفك من لحظة مغادرتنا طرابلس الا أن حدوث ما يعكر صفو ذلك الجو الآمن الذي عشناه

قد اصبح وشيك الحدوث لانه لم يغتفر لقبيلة الجوازی فعلتها . لقد طلب يوسف القرمانلي من ابنه البك أحمد أن يظهر التسامح مع هذه القبيلة ولكن بشرط أن يعمل في ذات الوقت على انتهاز الفرصة الملائمة لانزال ضرية تقصم ظهرها إلى الأبد و

اقد و م ا با این اتمره الى المتمرد إلى درنة ثم إلى مصر ، وسيطر أحمد بك واستقر في القصر وطلب من جميع مساعديه وجوب العمل على اعتبار قبيلة الجوازی وكأنها اولى الموالين له ولجيشه ، وهكذا مع كل يوم يمر بدأ مركز الجوازی يقوى وتنتشر اخباره . وهنا - والكلام لدى لاشيلا - لا تستغرب اذا ما ارسل البك أحمد في كل يوم طالبا احد رؤسائهم الذين كانوا يلقون كامل العطف وجزيل

ويستطرد الدكتور دی با شیلا : وبدون رتوش كان البك احمد حاكم بنغازى الجديد يهدف إلى محاولة التخلص من جميع رؤساء الجوازي على أن يتلو ذلك محاولة ابادة جميع افراد القبيلة ، وهذا لن يتوفر بالطبع الا اذا امكن جمع جميع الرؤساء والقضاء عليهم في آن واحد ثم بلى ذلك وبسرعة مفاجأة باق القبيلة قبل أن تدرك بداية الخطر

وظهرت اشاعة قوية في الأثناء الاخيرة تقول بحصول البنك على موافقة والده يوسف القره مانلي في إهداء البرنوس الأحمر إلى رؤساء الجوازی تكريما لهم وفي هذه الأثناء ارسل يوسف باشا احد المقارين له من افراد هذه القبيلة إلى بنغازی ليكون هذا الرسول نائبا عنه في الاتصال بقبيلة الجوازي ودعوة رؤسائهم لحضور حفلة التكريم التي سيستلمون خلاها هدية الباشا لهم والذي استعمل فيها استعمل من حج ج الأقناع انه رأى ، لما رفض الباشا اقتراح ابنه بتكريمهم، وجوب التداخل ومحاولة اقناع الباشا بصواب فكرة الابن التي ستزيد من ولائكم وتقضي على ما كان بين الطرفين من تنافر ، وفي هذا ما جعله ينحمس للفكرة بل ويطلب مني شخصيا ان اكون نائبه في الاحتفال

واقتنعت القبيلة بكلام احد افرادها الذي تكن له الاحترام والتقدير ، وفعلا اجتمع شملها ووصلت إلى ضواحي بنغازي مساء اليوم السابق لتحديد موعد الاحتفال . وكما العادة جاءت القبيلة بكامل ما تملك واستقرت غير بعيدة عن المدينة التي ظهر فيها عدم الارتياح لدخول هذه القبيلة التي سبق أن حاصرت المدينة . . والواقع أن شعور العداء والكراهية لم يكن خافيا على أحد من افراد القبيلة ، ولعل هذا ما حدا بمشائخها إلى عقد اجتماع ليلا وادخال بعض التعديلات على برنامج الاحتفال في اليوم التالى ، والذي يتلخص في أن يكون مبعوئهم لاستلام هدية الباشا رؤسائهم فقط وعلى أن يبقي باق القبيلة في مضاربهم :

ويقول الدكتور باولو ديلا شيلا :

) في صباح 5 سبتمبر ۱۸۱۷ م، كان 45 من رؤساء القبيلة ، السيئة الحظ و وصلوا في موكب كبير إلى قصر البك الذي كان بشوشا في استقبالهم ، قدمت القهوة ، بعد خطب الترحيب ، واظهر البك احمد شعورا ، كان يبدو ، صادقا ، من جانبه لانهاء ازمة الخلاف بين الطرفين . وهنا وبدون اية مفات تدفق رجال الحرس شاهرين سيوفهم لينفذوا الأوامر التي كانت قد صدرت اليهم ومات الكثيرون في الحال ، وجر من اظهروا بعض المقاومة إلى غرفة قريبة كانت قد اعدت لاعدامهم ، أما أولئك الذين سنحت لهم الفرصة بالحرب لبعض خطوات فكان نصيبهم اطلاق الرصاص عليهم ، وكان هذا هو مصير تلك القلة التي استطاعت تسلق الجدران فقد كانت بالحديقة مليئة بالجنود الذين كان عليهم أن

يعدموا كل من يصل اليهم ) . ويضيف دی با شیلا :

( وحال انتهاء هذه المجزرة النكراء حدثت حركة غير عادية بين جنود البك الذين نشروا حالة من الفزع والذعر بين سكان المدينة ، وخاصة بعد أن اصدر حاكم مصراته اوامره بتحرك باق الجنود لمفاجأة القبيلة. كان ضجيج الخيالة بالإضافة إلى حالة من الفزع والقلق والاشمفزاز بين السكان ما اضفى على المدينة حالة من الفزع يصعب تصويرها . وكان على أن ارجع الى القصر بغية الحماية غير اني ما أن وصلت حتى ذهلت للمنظر الكيب الذي فاجأني كانت الجثث مبعثة في كل مكان والدماء لازالت تسيل منها بينما كان البك ممتطيا ظهر جواده في حالة اضطراب اشبه بالجنون لا لشيء سوى أن الجنود لم يجتمعوا بالسرعة التي كان يريدها . انتشرخبر الواقعة وعرف بها البعض مما مكنهم من الحرب تاركين وراءهم ما يملكون . وفي هذه الأثناء كان البك يتقدم فرسانه باقصى سرعة ممكنة ليفاجيء من لم يعرف بالخبر بعد ، انها جريمة أخرى ترتكب اذ قتل جميع الرجال والاطفال بدون اية رحمة وكذا المثات من النساء اللاتي تعرضت من لم تمت منهن

إلى ما لا يمكن وصفه من الضرب والتعذيب ) . ويستطرد دی با شیلا ، شاهد عيان الحادثة :

) وبعد أيام قليلة من هذا الانتقام وصل إلى ميناء بنغازي ذلك الجمع الذي ارسل طلب الصفح من باشا طرابلس ، وكانت الخطبة ، كما إعلنوا ، أنهم سيصلون بنغازی ليشاركوا بقية قومهم في الاحتفال بتكريم قبيلتهم ، ومع الأسف لم يكن مصير هؤلاء ليختلف عن اقاربهم فقد قتلوا جميعا والقيت جثتهم في البحر(.

ويختتم دی با شیر سرد هذه الحادثة :

( عدنا إلى طرابلس ، وبالطبع كنت كئيبا وفي غاية الحزن لما شاهدته بينما البك واتباعه ولو انهم غير راضين لعدم تحقيقهم ابادة كاملة لأعدائهم الا انهم كانوا فرحين جدا للغنائم التي حصلوا عليها(

. وعلى اثر هذه الحادثة التي قضت غدرا على كبار القوم من اهل الرأي والعداء الذي كان مستحكما بين الجوازى والأسرة القرمانلية من جهة ، والنزاع مع القبائل الأخرى انسحب الجوازی ومعهم المجابرة جنوبا ثم اتجهوا إلى ناحية الغرب حيث اتصلوا بعربان سرت ، ويبدو انهم كانوا يودون اللحاق بالحملة او ربما

ادرکوها وتناوشوا معها بعد حلفهم مع الكعوب . وليس لدينا معلومات مفصلة اكثر من أن الحملة قد عادت إلى مقر الباشا وقد اتجه الجوازی جنوبا إلى الواحات حيث استقروا فترة ثم تحولوا إلى مصر ، ورحب بهم الخديوي وتسمح لهم بالاقامة في ارض الصعيد

الا انه في عهد سعيد باشا تعرض الجوازي للمكائد فقد حرض عليهم اولاد على والشراكسة الذين هاجموهم في مضاربهم في منطقة بلاط ، وجرت معركة بين الطرفين انتصر فيها الجوازي بقيادة عمر المصري . ومع ذلك نزحوا إلى برقة حيث اقاموا فيها لغاية سنة ۱۸۹۳ م ثم اصطلح معهم الخديوي اسماعيل وعادوا إلى

مصر ثانية واستقروا بها ولكن بعض العمائر والبطون والأفخاذ لم تغادر البلاد ، مثل : عميرة نوفل في سرت . بطن الفيضة في البريقة وبشر ولامارش واجدابيا . وبطن الكحليني في ام الخنفس . وعائلة القريد في جالو . وعائلة الدريجي في اوجلة وعائلة ابي ويله في اجدابيا . وعائلة الابعج في برقة البيضاء . وعائلة أي سلاح في ودان . وعائلة أبي شيبة في الحمدة. وعائلة جريدة بالمرج . وعائلات الطلائع والمسالخية والدراهمات والسعادلية في مزدة . وكذلك الطويين . وعائلات الباح ومطير واولاد مساعد في درنة . وعائلة الفريخ في طبرق . وطقاقة الكورة في الزيغن . والعمامشة والاصفاح واولاد ابن آدم في عكارة

وبقيت من قبيلة الجوازى عمائر وبطون وافخاذ في بنغازی وقمينس وزاوية

الطيلمون.