قاهر الوندال

قاهر الوندال

احتل الوندال قرطاجنّة سنة 439 م . تحت قيادة ( جيزريك ) , بعد ان اخترق اسبانيا حين دعاه( بونفاشو ) لمساعدته ضد منافسته ( بلاكيديا ) , فطرده جيزريك من مملكته وحكم هو وعقبه افريقيش مائة عام بعد ذلك .
وكان الوندال شعباً من اصل جرماني هاجروا من موطنهم على بحر ( آزوف ) عبر المانيا وفرنسا واسبانيا واعتنقواخلال هجرتهم المسيحية الآريانية , فكانوا ألد الاعداءللكاثوليكية . فسلبوا الافريقيين الكاثوليك أموالهم , وطردوا القساوسة , ومن ظل على اعتناقه الكاثوليكية . وهم لم يحتلوا المدن في حملتهم الطويلة . بل تجنبوها و عمدوا الى تدمير تحصيناتها وقلاعها حتى لا يحتمي بها اعدائهم , وكانت هذه هي عادة زعيمهم الاول جيزريك , فدمروا أسوار لبدة وصبراته وربما أويا , و الاثر الوحيد الدال عليهم في المدن هي قطعة النقود التي وجدت في سوق لبدة .
وقد مات جيزريك عام 477 م ولم يحدث بينه وبين القبائل الليبية صراع اثناء حياته , بل كان بينه وبين الروم البيزنطيين في شمال افريقيا . غير ان الامور بين الوندال و الليبيين لم تلبث ان توترت فقام زعيم قبيلة ليبية بربرية اسمه ( كاباون ) بالثورة في وجه الوندال وملاقاتهم حتى تمكن بحنكته وخبرته الحربية من هزيمتهم ودحرهم . ولا يحدد بروكوبيوس اسم قبيلة كاباون , وان كان الاغلب انها ( لواته ) التي كان لها سطوه ونفوذ آنذاك .
نكبةالوندال
آل حكم الوندال ( vandals ) بعدموت ( هونوريك ) الى ( غونداموندوس )
بن ( جينزون ) بن ( جيزريك ) , اذ كان اكبر ذرية جيزريك سناً . وقداشتبك
غونداموندوس هذا في معارك عديده مع المور ( moors ) ثم مرض ومات , بعد ان اضاق النصارى صنوف العذاب , في منتصف العام الثاني عشر من حكمه .
ثم تقلد زمام الحكم من بعده اخوه ( تراساموندوس - Trasamundus ) وهو رجل وهب حسن الصورة و الفطنه وسعة التفكير . لكنه على كل حال ظل يجبر النصارى على تغيير دين آبائهم لا عن طريق التنكيل بأجسادهم كما يفعل أسلافه بل بمحاولة كسبهم عن طريق التكريم و المناصب واغداق المال عليهم اما بالنسبة لمن لا يقتنعون منهم فقد كان يتظاهر بانه لم يكنيعرف الى أي دين ينتسبون .
فاذا ما قبض على أي مذنب منهم بجرم عظيم ارتكبه عمدا او من غير قصد فانه كان يعرض عليه ان يعفيه من العقاب على جرمه في مقابل ان يغير معتقده .
وعندما توفيت زوجة تراساموندوس دون ان تخلف عقبا ذكرا او انثى ارسل الى ( لذريق ) ملك ( القوط – Goths حكام اسبانيا حتى الفتح الاسلامي )
وطلب منه ان يزوجه اخته ( أما لا فريدا- Amalafrida ) التي توفي عنها زوجها منذ عهد قريب املا في تأسيس المملكة على اسس مأمونة جهد الطاقة .
فلم يكتفي لذريق بأن ارسل له اخته فحسب , بل بعث معها كذلك الف رجل من أعيان القوط حرسا خاصاً لها , ومن خليفهم جملة من الاتباع يبلغون حوالي خمسة آلاف رجل محارب عدداً , وهدى لذريق اخته ايضا احد رؤوس صقلية الثلاثة –وهو رأس ( ليلوبايوم ) ونتيجة لهذا عد تراساموندوس اقوى و اشد من حكم الوندال كما اصبح كذلك صديقا حميما للإمبراطور ( أنستاس ).
وفي عهد تراساموندوس هذا عانى الوندال نكبة مريرة على ايدي المور لم تصبهم ابدا من قبل .
كاباون الطرابلسي يستعد للقاء الوندال
فقد كان هناك رجل يدعى "كاباون – Cabaon .. ولعل هناك صلة بين اسمه واسم بلدة كاباو في جبل نفوسة " يحكم مور طرابلس , تميز بالدهاء الكبير و خاض معارك كثيرة وعندما علم كباون هذا بنزح الوندال عليه قام بالعمل التالي :
فأصدر أوامره اولاً الى اتباعه بأن يبتعدوا عن كل عسف , وان يجتنبوا المتعه ويمتنعوا خصوصا عن معاشرة نسائهم . ثم اقام بعد ذلك سورين دائريين عسكر هو و الرجال جميعا في احدهما ووضع النسوة في الاخر , وتوعد بالموت عقوبة لمن يذهب الى النسوة في الاخر , وبعدها أرسل عيونا الى قرطاجنة مزودين بهذه التعليمات : عليهم ان يراقبوا الوندال متى مضوا في حملتهم قدماً و اهانتهم لاي معبد يوقره النصارى و يرصدوا ما يحدث . وحين يغادرالوندال المكان عليهم ان يفعلوا العكس ما فعله الوندال بالمعابد قبل رحيلهم عنها . و يقولون انه اضاف الى هذا انه كان يجهل الاله الذي يعبده النصارى , لكن من المحتمل – لو كان هذا الاله قويا كما يقال عنه – ان ينزل نقمته المدمره بمن اهانوه و يدافع عمن بجّلُوه .
عيون كاباون يتعقبون الوندال
وهكذا جاء جواسيس كاباون الى قرطاجنة وانتظروا في هدوء يلاحظون تأهب الوندال لكن ما ان بدأ الجيش مسيرته الى طرابلس حتى اقتفوا أثره مرتدين ثياباً رثه , ولما عسكر الوندال في اليوم الاول , فلقد اقتاد الوندال خيولهم وحيواناتهم الاخرى الى داخل معابد النصادى ولم يدعوا منكراً والا فعلوه , وقاموا بكل محظور تجيزه طبيعتهم المتوحشة فضربوا من امسكوا به من الرهبان وجلدوهم جلداعنيفا على ظهورهم بالسياط , لكن بمجرد ان ارتحل الوندال من هناك قام جواسيس كاباون بعمل ما امروا به فنظفوا في الحال المعابد وازالوا منها اكداس القاذورات وكل خبيث فيها و اوقدوا جميع المشاعل , وكانوا ينحنون امام الرهبان باحترام عظيم و يحيونهم بكل ود , وبعد ان اعطوا القطع الفضيه للفقراء المحيطين بهذه المعابد تبعوا جيش الوندال واستمر الامر هلى هذا الحال طول الطريق اذ كان الوندال يقومون بهذه الجرائم فيعيد الجواسيس نفس ما فعلوه .
حتى اذا اقتربوا من المور سبق الجواسيس وأنباوا كاباون بما فعله الوندال وما فعلوه هم لمعابد النصارى , وان العدو ليس عنهم ببعيد .
خطة المعركة
وعندما علم كاباون بهذا اعد عدة المعركة على النحو التالي :
اذ اختط دائرة في السهل الذي كان يزمع ان يتخذه معسكراً له , ووضع جماله منحرفه بجوانبها تشكل دائرة لحماية المعسكر , و جعل جبهته تواجه العدو
واثنى عشر جملاً . ثم وضع الاطفال والنسوة و العجزة جميعا مع ممتلكاتهم في وسط الدائرة في حين امر جملة الرجال المحاربين بان يقفوا بين اقدام تلك الحيوانات ويحموا انفسهم بدروعهم فلما وجد الوندال جيش المور على هذا الوضع
ذهلوا عما يمكنهم عمله , اذ لم يكونوا يحسنون استعمال النبال ولا الاقواس , كما لم يكونوا يعرفون كيف يلتحمون راجلين فقد كانواجميعا فرسانا يستخدمون الرماح و السيوف اكثر من سواها , فلم يكونوا لهذا يستطعون الحاق اذى بعدوهم على بعد .
كاباون ينتصر ويذيق اعدائه العذاب
وقد حرنت خيولهم بعد ان ازعجها منظر الجمال , وابت ان تنقاد في اتجاه العدو على الاطلاق , وهكذا استطاع المور ان يثخنوا الوندال قتلاً هم وخيولهم دون عناء بان رشقوهم باعداد هائلة من النبال من مكمنهم الامن وهم حشدكبير فبدأ هؤلاء في الفرار .
وعندما خرج المور كان اغلب الوندال قد هلك , بينما وقع بعضهم في ايديهم ولم يعد من هذا الجيش سوى عدد قليل جداً .
وكان هذا هو نصيب تراساموندوس من العذاب الذي لاقاه على ايدي أهل طرابلس .