في خبرالاقطار

في خبرالاقطار

في خبرالاقطار
فزان:
أظنه بين طرابلس وقابس ، فيها قتل يحيى بن إسحاق الميورقي و قراقشَ الأرمني مملوك تقي الدين أخ السلطان صلاح الدين بن أيوب، وكان دخل إفريقية من مصر في أخْريات المائة السادسة، فملك طرابلس وقابس وداع صيته وفض الجموع، ثم إنه اصطلح مع يحيى بن إسحاق الميورقي الطويل الفتنة ليعتضدا على ما كان بسبيله، وكان قراقش قد قتل جمعاً من أكابر دباب فغدروا به، وأمكنوا منه الميورقي، فضرب عنقه بفزان وصلبه هنالك.
( كان اسم ((فزان)) يطلق على المنطقة الواقعة بين طرابلس شمالاً وتبستي جنوباً، وهي منطقة تتناثر فيها الواحات التي تعد امتداداً لواحات القسم الأوسط من الصحراء الكبري. وقد ذكر الإدريسي أن من مدن فزان: مدينة -جرمة تساوة (التي تسمى جرمة الصغرى) .
- زويلة :
مدينة كبيرة قديمة في الصحراء بقرب بلاد كانم من السودان وأظنها التي يقال لها زويلة ابن خطاب، وبينها وبين سويقة ابن مثكود ست عشرة مرحلة، وهي صغيرة بها أسواق،
ومنها يدخل إلى بلاد السودان، ويشرب أهلها من آبار عذبة، وبها نخل كثير وثمرها حسن، والعرب تتجول بنواحيها وتضر بأهلها، وكان قد بناها عبد الله بن خطاب الهواري وسكنها هو وبنو عمه سنة ست وثلاثمائة، وهي منسوبة إلى هذا الرجل، وهي الآن عامرة، وهي مجمع الرفاق، وإليها يجلب الرقيق ومنها يخرج إلى بلاد إفريقية وغيرها من البلاد.
ولما فتح عمرو بن العاصي برقة وطرابلس بعث عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة وافتتحها، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبقرب زويلة قصر واجان، وهو قصر عظيم على رأس جبل في طرف المفازة، وهو مثل المدينة، فسار إليهم خمسة عشر يوماً، فنزل عليهم وحاصرهم نحو شهر فلم يقدر عليهم، فمضى أمامه على قصور كوار ففتحها وأخذ ملكها فقطع إصبعه، فقال له: لم فعلت هذا. فقال له عقبة: إذا نظرت إلى إصبعك لم تقاتل العرب، وفرض عليهم ثلاثمائة وستين رأساً، ثم سألهم هل وراءهم أحد، فلم يعلموا أن وراءهم أحداً، فكر راجعاً على قصر واجان فلم يعرض له ولا نزل عليه، وسار ثلاثة أيام، فلما رأوا أنه لم يعرض لهم أمنوا وانبسطوا، فأقام عقبة بموضع يسمى اليوم ماء الفرس، فنفد ماؤهم وأصابهم العطش حتى كاد يهلكهم، قال: فصلى عقبة بأصحابه ركعتين ودعوا الله تعالى، فجعل فرس عقبة يبحث في الأرض حتى انكشف له صفاة فنبع ماء، فنادى عقبة الناس أن احفروا فاحتفروا، فوجدوا ماء معيناً زلالاً فسمي ماء الفرس، وكان يقال له عقبة المستجاب، ثم كر راجعاً إلى قصر واجان من غير طريقه الذي أقبل منه، فلم يشعروا حتى طرقهم ليلاً فوجدهم مطمئنين فاستباح ما في مدينتهم من ذراري وأموال ونساء، وقتل مقاتليهم، ثم انصرف راجعاً إلى زويلة، ومن زويلة كر إلى غدامس بعد خمسة أشهر، وسار متوجهاً إلى المغرب وجانب طريق الجادة وأخذ أرض مزاتة، فافتتح قصورهم حتى انتهى إلى قفصة ففتحها وافتتح بلاد قصطيلية ثم انصرف إلى القيروان.
وزويلة أيضاً إحدى المهديتين، كانت متصلة بالمهدية، وكان السلطان وخاصته وجنوده يسكنون المهدية، والأسواق والناس في زويلة، وكانت حسنة المباني والشوارع، وأهلها مياسير نبلاء ذوو أفهام ثاقبة وطريقة في المعاملات جيدة، وأسوارها عالية حصينة وهي مبنية بالحجر، وبها فنادق وحمامات جمة ، ولها من جهة البر خندق كبير تستقر فيه مياه السماء، ولم يبق بها الآن من ذلك كله شيء بل خربت زويلة فلم يكد يبقى لها أثر، وحولها قرى كثيرة ومنازل وقصور يسكنها البدو، ولهم زروع ومواش وأغنام وأبقار وإصابات في القمح والشعير، وبها زيتون كثير يخرج منه زيت طيب عجيب يعم سائر البلاد الإفريقية، وكان يتجهز به إلى المشرق، وبين المدينتين رملة قدر رمية قوس.
ودّان :
و بينها وبين قصر ابن ميمون ستة أيام، وقصر ابن ميمون آخر عمل طرابلس.
قالوا: وكانت ودّان فيما سلف أكثر الأرض عمارة، وكان الملك في أهلها متوارثاً إلى أن جاء دين الإسلام فخافوا من المسلمين فتوغلوا في بلاد الصحراء وتفرقوا ولم يبق منهم إلا بقايا قوم من السودان، معايشهم كدرة وأمورهم نكدة، وهم في سفح جبل طنطنة، وإبلهم قليلة وجلتهم يأكلون لحوم الجمال المقددة ويشربون ألبان الإبل، والحطب عندهم قليل، وأكثر نيرانهم من بعر الجمال وبعض الشوك.
زالة :
بين أوجلة التي بأرض برقة وبين زالة هذه عشرة مراحل، وهي مدينة صغيرة عامرة وفيها أخلاط من البربر ومن هوارة، وبها تجارات، وفي أهلها مروءة، ومن زالة يدخل إلى مدينة زويلة، ومن زالة إلى أرض ودان ثلاثة أيام.
مقتطفات من كتاب: الروض المعطار في خبر الأقطار
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى (المتوفى: 900هـ)