الليبيون عرب لا ريب

الليبيون عرب لا ريب

الليبيون عرب لا ريب


يقول العالم الجغرافي ابي عبيد البكري الملقب بابن خرداذبة فى كتابه "المسالك والممالك"، مشيرًا إلى أصل سكان ليبيا ما نصه: "وكانت دار البربر- وهو دار الليبيين- فلسطين وملكها جالوت. فلما قتله داوود عليه السلام، جلت البربر إلى المغرب حتى انتهوا إلى لوبية ومراقبة- يعني ليبيا ومراكش- فتفرقت هناك، فنزلت زناتة ومغيلة وضريسة وفرسنة الجبال، ونزلت لواتة أرض برقة، وهي "أنطابلس" بالرومية وهي خمس مدائن، ونزلت هوارة مدينة "اياس"- ويعني "أويا"- وهي طرابلس وهي ثلاث مدائن.

هذا ما قاله خرداذبة الذي عاش فى القرن الثالث للهجرة، ويبدو من كلامه إنه كان على معرفة ببعض اللغة اليونانية من مثل تعبيره بالخمس مدائن عن "بنتابوليس"، وثلاث مدائن عن "تريبلوس".

ولقد كان الحديث عن الأصل العربي لليبيين القدماء متواترًا في مؤلفات كثير من الكتاب والمؤرخين ومشهورًا عند العديد ممن تعرض لهذه النظرية، وكان البعض يرجعهم إلى اليمن أو سواحل الشام، أو هي هجرة من اليمن إلى الشام فشمال أفريقيا هذا.

وإذا قرأنا مؤلفات أهل الغرب وجدناهم يصرون على نفي الأمر، نفيًا فيه الكثير من التشكيك والدس، معتمدين على ما يسمونه النظرة العلمية التي يكيفونها حسب أهوائهم، ويسوقون الأدلة على أقوالهم تعسفًا لا ريب فيه، من ذلك مثل ما يورده مؤلف كتاب "people of the vel"، أو التوارق الملتمين وهو اللورد "رينيل أوف رود"، فيحاول أن يعلل نظرية ابن خرداذبة وابن خلدون تعليلًا سطحيًا، بأن من عادة المسلمين أن يوجدوا علاقة ما مباشرة أو غير مباشرة بينهم وبين عرب الجزيرة موطن النبي صلى الله عليه وسلم، تفاخرًا بهذا النسب وقربى.

ويضيف أن كثيرًا من التاريخ الأسطوري لليبيين ذي الصلة بالوطن الشرقي، ربما يمكن اعتباره محاولة من جانب المؤرخين المسلمين لربطهم بأرض وجنس العرب الذين حملوا رسالة الإسلام.

وقد يخضع هذا الرأي البعض.. ولكن ماذا يقول "رود" وصحبه حين يعلمون أن ما جاء به هذان العالمان المسلمان كان قد جاء به من قبل "بروكوبيوس القيصري" فى القرن السادس الميلاد، أي قبل أن يظهر الإسلام.

أن "بروكوبيوس القيصري" لم يكن يرمي بالطبع إثبات عروبة الليبيين، ولم يكن يحاول تأكيد الصلة بينهم وبين أرض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، فلقد كان ما جاء به قبل بزوغ فجر الإسلام بقرنين من الزمان، وفي كتابه "تاريخ الحروب تفصيل يوضح هذا الغموض، ونرد به فرية المفترين، أليس كذلك.


فى النصف الأول من القرن السادس للميلاد قال "بروكبيوس القيصرى" فى كتابه "تواريخ الحروب" رواية عن أصل الليبيين ما خلاصته: إن حربا وقعت فى منطقة فلسطين وأن الكنعانيين اضطروا بعد هذه الحرب إلى النزوح من ديارهم والهجرة إلى مصر .

ولما كانت مصر منذ قديم الزمان مكتظة بالسكان ولم يجدوا فيها موضعًا يقيمون فيه فأنهم واصلوا هجرتهم عبر الساحل الشمالى لإفريقيا، فانتشروا فى ليبيا وما غربها وطاب لهم المقام .

قال بروكوبيوس: وقد كان هناك نصب أقامه هؤلاء الكنعانيون وكتبوا عليه جملة تفيد أنهم هاجروا من فلسطين وأقاموا فى هده البلاد .

قال: ثم بعد مرور الزمن جاءت الى ليبيا دفعة أخرى من المهاجرين – يعنى بذلك هجرة الفينيقيين الى قرطاجنة ثم صبراتة وأويا ولبدة – أو المدن الثلات تريبوليس.

ولقد وجد المهاجرون الجدد ترحيبا من أخوانهم السابقين الدين أفسحوا لهم الدار وأوسعوا عليهم فى العيش .

غير أن الزمان لم يلبث أن أفسد مابين الفريقين، فنشبت بينهما حرب ضروس دفعت بالمهاجرين الأول ألى الصحراء وأبقت الجدد على الشاطىء، وبهذا انقسم السكان إلى قسمين :حضر وبدو ، وهو ما أستمر بعد ذاك.

هذا مايرويه بروكوبيوس القيصرى، غير أن الهجرات بين شمال أفريقيا وغرب أسيا تبدو وكأنها قديمه قدم التاريخ أو ما قبل التاريخ.

وعن هجرات ماقبل التاريخ أحب أن أشير الى ما أورده "عمانويل أناتى" فى كتابه " فلسطين قبل العبريين": من الشبه المدهش بين رسوم الحيوانات على جدران الكهوف التى خلفها قدماء الفلسطينيين وبين رسوم الليبيين فى الصحراء الليبيه، وهو يؤكد تطابقهما الكامل استنادا إلى دراسته ودراسة العالم الإيطالى "غراسيوس" في كتابه "جماعات الصيد في ليبيا"  المنشور فى نابولى عام 1948..

ثم أشير أيضا إلى كتاب العالم "ماكبيرنى" الدى أصدرته له سلسلة Pelican عن حياة ماقبل التاريخ في شمال أفريقيا والجبل ألاخضر .

فبعد أن بين ماكبيرنى الشبه بين أثار الجماعات الرعويه في فلسطين والجبل الاخضر قال: "بالنظر الى التشابه  الكبير بين صناعة هاتين المنطقتين، فلسطين وجنوب غرب أسيا من جهة والجبل الأخضر من جهة أخرى، فأن هذا الأكتشاف ذو  مغزى خطير.

وهو يوحى بشدة الى أنه كانت هناك درجة هامة من الاختلاط الثقافي بين جنوب غرب آسيا وشمال شرق ليبيا فى هدا الوقت، متضمنا على الاقل حركة سلالية ...

وأن وجود الأجناس الأسيوية في برقة بعد ذلك بقليل والسلالات الأفريقية فى فلسطين قريبًا من ذلك العهد يظهر أنه – رغم وجود العائق الصحراوى – أمكن وجود الاتصال البيولوجى  من العصر البلايستوسينى المتأخر" .

كذا يقول ماكبيرنى.

بقى أن نعرف أن عمر الآثار مدار الحديث قدر عن طريق الأشعاع فزاد عن أربعين ألف سنة مما تعدون .

وياله من تاريخ موغل فى أعماق التاريخ!


https://albunyanalmarsus.com