منشور كانيفا الاول

منشور كانيفا الاول

العدوان
"منشور كانيفا الاول"
حينما يفتقد القائد العسكري في ماضيه وماضي أمته التجارب التي يهتدي بها إلى كيفية التصرف في الخطوة التي يزمع الإقدام عليها ، إما أن يرتجل خطة بذاتها لم يسبقه إليها احد فيتصف في هذه الحالة بالنبوغ ، وإما أنه يلجأ إلى التاريخ العام يستلهمه ويستهديه تخطيطا أو تصرفا بذاته ، وهذه هي الصفة الغالبة في القادة الذين يفتقرون إلى صفة العبقرية . وكان كانيفا ، قائد الحملة الإيطالية علي ليبيا ، ، من هذا الطراز الثاني، ذلك أننا نجده وقد افتقر الى النبوغ وافتقد الي التجارب يلجأ الى محاكاة نابوليون بونابرت الذي أعلن اسلامه في مصر حينما جاءها محتلا ليخدع المسلمين فيها ـ فيقدم على نشر البيان التالي في اللغة العربية وهو بيان يبدو فيه طابع المحاكاة والتقليد في تمام الوضوح ، وان لم يذهب القائد الإيطالي فيه إلى الحد الذي أقدم عليه نابوليون .
يستهل الجنرال كارلو كانيفا منشوره هذا الذي وزع على الناس يوم ( 12 )اکتوبر هكذا :
"بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة الانبياء والمرسلين، صلى الله وسلم عليهم أجمعين .
بأمر ملك إيطاليا المعظم فيكتور عمانويل الثالث ، نصره الله ،وزاد مجده
و أنا الجنرال كارلو كانيفا قائد الجيوش الإيطالية ، الموكل إليها إنهاء حكم الأتراك في طرابلس والقيروان " والمناطق التابعة لها ؛ إلى جميـع السكان الذين لهم في المناطق المذكورة مقر ، من شاطىء البحر إلى آخر المناطق الداخلية ممن لهم مساكن في المدن أو مزارع وحقول ومراعي حول المدن ذاتها أو بعيدا في دواخل الإقليم
[ إلى هؤلاء جميعا ] أعلن :
ان العساكر الخاضعة لأمري لم يرسلها جلالة ملك إيطاليا ، حماه الله ، لإضعاف واستعباد سكان طرابلس والقيروان وفزان والبلاد الأخرى التابعة لها التي توجد الآن تحت سيادة الأتراك بل لتعيد إليهم حقوقهم وتقتص [ لهم ] من المعتدين عليهم ، سواء أكان الأتراك أو أي شخص كان ، يريد استرقاقهم. وعليه فأنتم يا سكان طرابلس والقيروان وفزان والبلاد الأخرى التابعة لها من الآن سيحكمكم رؤساء منكم موكل إليهم أن يقضوا بينكم بالعدل والرأفة عملا بقوله تعالى : ( واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، وستكون هذه الأحكام تحت حماية ورعاية ملك ايطاليا السامي حرسه الله
واعلموا أنـه ستبقى الشرائع الدينية والمدنية محترمة ، ويحترم الأشخاص ، والممتلكات ، والنساء ،والحقوق وجميع الامتيازات المختصة بأماكن العبادة والبر ؛ لأن غاية أعمال الرؤساء يجب أن تكون واحدة وهي تحسين حالتكم ، والعمل على استتباب امنكم وراحتكم ، ويجب أن يكون ذلك مطابقاً للشريعة الغراء والسنة المحمدية السمحاء . وسيقضى بينكم بالعدل طبق للشريعة وحسب أوامرها بواسطة قضاة قد اشتهروا بتفقههم في الشرع ذووا استقامة وسيرة حميدة كما أننا لا نغض الطرف عمن يظلم من الرؤساء ، ولا نغتفر غشا أو خداعاً من أحدالقضاة ،فالكتاب والقانون والسنة فقط تقضي وتحكم بينكم .
واعلموا جيداً أنه لا يدعى أحد منكم للخدمة العسكرية بالرغم عن إرادته ، وإنما يقبل للدخول فيها أولئك الذين يرغبون في الانضمام إليها تحت اللواء الإيطالي باختيارهم ، لأجل حماية النفوس والأملاك ، ولكي يكفلوا للبلاد السلم والنجاح، وأما الآخرون فيبقون في بيوتهم ، عاكفين على العمل في حقولهم ورعاية المواشي أو معاطاة التجارة والصناعـة والحرف الضرورية لقيام الحياة المدنية .
وعلى هذا فكل امرىء يمكنـه أن يقيم الصلاة في معبده حسب تعاليم دينه . ويلزمكم أن تتضرعوا إلى الله عز وجل أن يرفع مجد الشعب الإيطالي ومجد مليكه لأنه أخذكم تحت حمايته . والإيطاليون يرومون أن يكون اسمهم مهابا من جميع أعدائكم ، وأما منكم فيكون محبوباً ومباركا فقط وبناء عليه ، وحسبما خولني جلالة ملك إيطاليا العادل المنصور ، وحكومته ، اعلنكم بما تقدم ، وسيجري مفعوله من هذا اليوم من شهر شوال سنة 1329 ليبقى كأساس للعلاقات المستقبلة التي ستوجد بين الحماة والمحميين : بين الإيطالي وساكني هــذه البلاد . وإني واثق بأنكم ستقبلون هذا المنشور بسرور زائد لأنه سيكون قانونـا تجب المحافظة عليه بأمانة واستقامة ضمير وشهامة من كلا الطرفين . واذا وجد من لا يخدم الشرائع ، أو لا يعتبر الأشخاص أو من
يمس حرمة النساء ، أو ينتهك حرمة الملك ، أو يقاوم أو يثور على إرادة العناية الإلهية التي أرسلت إيطاليا إلى البلاد ، وباسمها صدرت لي هذه الأوامر وقبلتها ممن يملك حق الأمر فسيكون الانتقام منه عظيما ، وسأحافظ على تنفيذها بالقوة الموكلة لعهدتي بنبراس العدل والحق. « فياسكان طرابلس والقيروان والمناطق التابعة لها : اذكروا أن الله قد قال في كتابه العزيز : « لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، ولم يخرجوكم من دياركم ، أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين » . وقد جاء أيضا ' وان جنحو للسلم فاجنح لها وتوكل على الله »
وجاء أيضاً : « ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها من عبادي الصالحون » . أي الذين يصلحون الأرض ويمنعون منها الفساد وينشرون فيها العدل والعمران . وجاء أيضا : ( وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ، ثم لا يكونوا أمثالكم ، أي إن تفسدوا في الأرض إن توليتم أمور الناس ويقاتل بعضكم بعضاً ، إن الذين يفعلون ذلك يلعنهم الله ويصمهم و يعمي أبصار هم ويستبدلهم بغيرهم . وجاء أيضا : « قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شيء قدير » . وجاء ايضا : ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فإولئك هم الظالمون .
فإرادة الله ومشيئته سبحانه قضتا أن تحتل ايطاليا هذه البلاد ، لأنه لا يجري في ملكه إلا ما يريد ، فهو مالك الملك ، وهو على كل شيء قدير . فمن أراد أن يظهر في. الكون غــير ما أظهره مالك الملك ، رب العالمين ، المنفرد بتصرفاته في ملكه الذي لا شريك له فيـه فقـد جمع الجهل بأنواعه وكان من الممترين …
وبناء عليه ، يلزم على كل مؤمن أن يرضى ويسلم بما تعلقت بـه الارادة الربانية وأبرزته القدرة الإلهية ، فالملك له سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء« فإيطاليا تريد السلام ، وتريد أن تبقى بلادكم إسلامية ، تحت حماية إيطاليا وملكها المعظم ، ويخفق فوقها العلم المثلث الألوان : أبيض وأحمر وأخضر إشارة الى المحبة والايمان وعشم الخير ! »
انتهي المنشور
اود الاشارة الى نقط ثلاث حوله : الأولى الطابع الديني فيه ، وهو واضح بذاته . والثانية محاولة ايطاليا إظهار عدوانها بأنه قضاء وقدر ليس أمام المسلمين غير التسليم به والخنوع لسلطانها والا فإن الخروج عليها كفر وعصيان للارادة الربانية . والثالثة جهـل إيطاليا وقائدها للدين الإسلامي وانعدام إدراكها لطبيعةومدلول ما تستدل به من آيات القرآن والا فإن الآية التي استدل بها : « لا ينها كم الله عن الذين لم يقاتلوكم...الخ ) وحدها تكفي ليحمل المسلم سلاحه ويهب لمقاومتهم وصدهم إذ أنها تستحثه لما يريدون خلافه . وقس على هذه بقية الآيات .
وهذه النقاط الثلاث إنما تدل وفي وضوح على سذاجة السياسة الايطالية وعلى عدم نضجها الى الحـد الذي يمكنها من معرفة نفسية الشعوب ويعقدها بالتالي عن التحكم في مصائرها بغير قوة الغاب وشريعة القوة وهو ما لجأت اليه منذ الشهر الأول لاحتلال ايطاليا الفاشية لليبيا .