الاحتلال التركي لليبيا
لاحتلال التركي لليبيا سنة 1551؛
و كذبة دعوة ليبيا للعثمانيين ؛
" لقد وجدتها أكبر جدا مما كنت أظن ، و رغم أن الذين يطرونها ، يتحدثون عنها حديثا طيبا، فأنا أوكد أنهم لم يقولوا نصف الحقيقة، و بين المدن الكثيرة التي رأيتها في العالم، لم أر مدينة تماثلها في قوتها، و نظافتها حتى لتبدو مدينة امبراطورية و ليست مدينة لا تنتمي إلى أي ملك خاص"
هكذا كانت طرابلس كما وصفها الكونت (بيترو دي نافارا ) و زاد بأنها لا تنتمي إلى أي ملك خاص و كأنه يقول إنها لُقيا بلا مالك!
كان نافارا قد غزا المدينة في إطار الحروب الدينية التي زادتها الغزوات التركية اشتعالا.
جاء غزو طرابلس بعد أن حظيت منذ سنة 1490 بحاكم بايعته اميرا عليها ؛ تقي، ورع، رشيد في حكمه معتزلا للعبادة في معظم وقته لا تعرف الناس عنه غير اسمه الاول عبدالله فلقبته بالمرابط ...
صنعت العلاقات التجارية التي اقامتها الامارة في عهده مع جوارها من الامارات المسيحية في المتوسط سلاما جعلها تنسى أنها يمكن أن تُغزى .
في يوليو 1510 اجتاحها الكونت بيترو دي نافارا بجيش غالبيته من صقلية و كالابريا، من الامارات المسيحية المعاهِدة للمدينة. دفع اكثر من 6000 من سكان المدينة ارواحهم فداءً لها قبل ان تسقط. دافعوا بالعصي و الحجارة أكثر من السيوف؛ فالمدينة تعيش على سراب آمانٍ خادع جعل اهلها يتجردون طوعاً من السلاح. لم يكن في المدينة حتى مخزون منه. بعد اجتياحها، اقام جنود دي نافارا مذبحة في المدينة .
كتب الكونت نفسه عن المذبحة :
"لا يمكن ان تجد موقعا لقدم الا فوق الجثث".
ما إن طاب المقام للاسبان في المدينة ، حتى غزا الاتراك جزيرة رودس حيث مقر هيئة فرسان القديس يوحنا . احتل الاتراك الجزيرة و شردوا نصارتها. بناء على التماس من البابا كليمنت السابع منح الامبراطور شارل الخامس في 23 مارس 1530 طرابلس الافريقية كما اسماها الى منظمة الفرسان ، بديلا عن جزيرة رودس .
ما كان ذلك مكرمة من الامبراطور . اشترط على الفرسان مجعولاً ثابتاً من المال يقدم له ، و استعدادا للقتال الى جانبه في حروبه مقابل هذه المنحة، بعد أن صارت جزر المتوسط و مدنه المشاطئة مسرحاً و هدفاً في حروب السلب و النهب باسم الله.
في تاجوراء المجاورة كان قد استقر من نجا من سكان طرابلس و في نيتهم استعادة مدينتهم. كانت عين قرصان البحر، خير الدين بارباروسا - الظاهر لتوه ؛ على مدن المتوسط الساحلية. ملك الجزائر بالحيلة و الخداع، و وضع نصب عينه بقية المدن هدفاً. في سنة 1517 طلب اليه السكان مساعدتهم في استعادة طرابلس فما أجابهم. في عام 1531 حاول غزو طرابلس لنهبها فقط فما افلح. عام 1536 طرد الأسبان القرصان خيرالدين الاكبر بارباروس من تونس. تشتت جنوده فجمعهم نائبه القرصان خير الدين الاصغر و اعلن نفسه ملكا على تاجوراء. حاول ان يحتل طرابلس فما استطاع.
في عام 1537 استعاد خيرالدين تونس، و صار الخصي مراد آغا قرصانا يتبعه بعد ان ماتت زوليمان محظية السلطان سليم الأول التي كان أنيسها و سلواها.
عيّن خيرالدين القرصان مراد حاكما على تاجوراء.
في عام 1543 زحف مراد على مسلاته و احتل ترهونة، و في العام التالي استولى على بني وليد و غريان . ما ان اعتقد ان مقاليدها صارت له حتى ثارت عليه هذه المناطق و اعادته الى حدود تاجوراء و صار همه الحفاظ على ملكه هذا.
...في عام 1546 مات خيرالدين بارباروس. تنفست أوروبا الصعداء. ظنت ان تهديد القراصنة لتجارتها و قلاعها قد انتهى بموت هذا القرصان الذي حوّل كل نقطة وصل اليها غرب المتوسط الى وكر للقراصنة. ما دامت فرحة أوروبا. لقد خلف خيرالدين القرصان درغوت الذي كان يفوقه شجاعة و اقداما. سريعاً ذاع صيته بين الامارات المسيحية. صار الشيطان كما سمته اوروبا مصدر تهديد مخيف فاجتمعت كلمتها على التخلص منه. طاردته حيثما حل لتأسره فما افلحت و لا افلح هو في التمركز في اي من الشواطيء التي قصدها.
اتجه القرصان درغوت الى القسطنطينية و اقنع السلطان سليمان بان سيطرة المسيحيين على مدن الشمال الافريقي قد تغريهم بالتحالف و التوجه شرقا نحوه. بمعية درغوت عهد السلطان الى الاميرال سنان بإنتزاع مالطا من المسيحيين ، فإذا فشل فعليه أن يستولى على طرابلس. وصل اسطول سنان الى مالطا يوم 16 يوليو 1551 لكنه اخفق في الاستيلاء عليها فغيّر وجهته نحو جربة.
بنصيحة درغوت احتل سنان جربة و اتجه نحو طرابلس. انزل معظم جنوده في زوارة فاتجهوا برا نحو المدينة و واصل الاسطول ابحاره نحوها. هب القرصان مراد أمير تاجوراء لملاقاة سنان و درغوت و اتفق الثلاثة على خطة تطويق طرابلس و الاستيلاء عليها.
في 8 اغسطس باشر الاتراك الهجوم على المدينة، و في اليوم الثامن من هجومهم استولوا عليها و صار مراد آغا ملكاً عليها و تاجوراء بعد أن نصّبه الاميرال سنان بإسم السلطان العثماني يوم 16 اغسطس 1551 و بهذا صارت طرابلس بين يدي القراصنة..
تنسف هذه الحقائق كذبة استنجاد الليبيين بالأتراك ، و تؤكد انهم جاءوا و في نيتهم احتلال بلادهم و ليس نجدتهم، و الا لكانوا قد تركوهم ليختاروا حاكماً منهم لا أن ينصبوا عليهم قرصانا خصيّاً من غلمانهم..
ظل الاتراك يحتلون ليبيا حتى سنة 1912 حين كافأوا اهلها بتسليمها لإيطاليا و هم يخفون عنهم ذلك، و خلال مدة احتلالهم لها التي وصلت الى 361 سنة بما فيها 124 سنة كانت تحت مواليهم القره مانليين ، تعاقب فيها على البلاد 83 والياً بما فيهم القره مانليين ليس بينهم من اهلها أحد ؛ لم يتركوا فيها غير المآسي و حوّلوا عاصمتها قلعة للقراصنة بعد ان كانت تحت حكم اهلها بشهادة اعدائها " لا تماثلها مدينة في قوتها، و نظافتها حتى لتبدو مدينة امبراطورية " ..