وحشية العرش العثماني

وحشية العرش العثماني

وحشية العرش العثماني…
الفتوى الدينية تمنح الشرعية لقانون قتل الإخوة في عهد محمد الفاتح، بدأ “قتل الإخوة بغطاءٍ شرعي إسلامي، حسب ما يذكر غالبية المؤرخين.
بغية شرعنة قتل الإخوة لأجل الحفاظ على السُّلطة، تم إدراج البند الخاص بقتل الإخوة في عهده ضمن مجموعة القانون (نامه) والذي ينُصُّ على أن: “أيّ شخصٍ يتولّى السُّلطة من أولادي فمن المناسب أن يقتل الإخوة من أجل نظام العالم، وأجازه أكثر العلماء فليعملوا به”.
هكذا، تحوّل قتل الإخوة من عُرفٍ في نظام الأمراء الاجتماعي إلى قانونٍ في نظام السلاطين السياسي.
في بداية القرن الرابع عشر، حين تأسّست الدولة العثمانية، كانت مجرّد إمارةٍ صغيرة داخل حدود العالم الإسلامي تعتمد على فكرة الغزو لكنّ هذه الدولة الحدودية سرعان ما تحوّلت إلى قوّة معتمدة على الغزو العسكري، ومعتمدة في توسيع دائرة النفوذ على القوة العسكرية كمحرِّك أساس.
هذا ما يفسر ميل الكفة لصالح أوروبا لاحقاً، بعد سلسلة الحروب الطويلة خلال القرن السابع عشر التي أنهكت الجسم العثماني، مما تسبب في تراجع نفوذ “الدولة العثمانية ”، حتى بدأت تخبو بشكلٍ متسارع بعد أن سادت القناعة بالتفوق الأوروبي في القرن الثامن عشر.
اتسم الخط الكرونولوجي بقلاقل وأزمات كادت تعصف بالكيان الإمبراطوري للدولة العثمانية غير ما مرة، بدايةً من أبناء “بايزيد الأول” خلال فترة ما عُرف بـ “عهد النزاع على العرش” كتعبيرٍ عن 11 سنة من الحرب الأهلية والفوضى السياسية التي نخرت جسم الدولة العثمانية في البدايات الأولى
(من 20 يوليو 1402 – إلى 5 يوليو 1413).
إبّان هذه الفترة التي أعقبت وفاة السلطان بايزيد الأول، والتي كادت أن تقضي مبكرًا على الدولة العثمانية، استكمل الأبناء شِرعة الأب وتقليده في قتل الإخوة.
لم يكن لمحمّد الأول أن يحيد عن هذا العُرف قبل توحيد الأناضول تحت رايته من جديد؛ وهذا ما دفعه إلى قتل أخيه موسى چلبي الذي “قُتل في معركة ضدَّ أخيه مُحمَّد على مقربة من بلدة سموكوڤ في بلغاريا”
تدور الدّوائر وتؤول شؤون السّلطنة العثمانية إلى يد محمد الثاني أو الملقب بـ(الفاتح) (1451_1481)
محمد الفاتح أبى إلّا أن يكون أول ما يبتدئ به حكمه هو قتل أخيه الرضيع أحمد، وقد قام بتلفيق تهمة القتل إلى أحد رجالات دولته -علي بك أورانوس- خشية سُخط العامة، وأمر بقتله قصاصاً للمقتول،
وفي عهد محمد الفاتح، ابتدأ أيضا
“قتل الإخوة بغطاءٍ شرعي إسلامي،
حسب ما يذكر غالبية المؤرخين”
بغية شرعنة قتل الإخوة لأجل الحفاظ على السُّلطة، “تم إدراج البند الخاص بقتل الإخوة في عهده ضمن مجموعة القانون (نامه) والذي ينُصُّ على ما يلي:
[وأيّ شخصٍ يتولّى السُّلطة من أولادي فمن المناسب أن يقتل الإخوة من أجل نظام العالم، وأجازه أكثر العلماء فليعملوا به]
هكذا، تحوّل قتل الإخوة من عُرفٍ في نظام الأمراء الاجتماعي إلى قانونٍ في نظام السلاطين السياسي.
بذلك، تمكّن محمد الثاني من إيجاد مسوغاتٍ قانونية وفقهية لقانونه الدموي، وهذا راجعٌ إلى كون “وجود الإخوة -حسب اعتقاده- من العوامل التي تتثير الفتنة بين المسلمين، وقد أقرَّ أهل الفتوى هذا العرف وأعلنوا أنّه لا يتعارض مع أحكام الشّريعة الإسلامية؛ فأصبحت سُنَّة عند سلاطين آل عثمان لاعتقادهم أنَّ فيه سلام الدنيا والعالم”
ربّما خطر ببال سليم الأول في أواخر عهد أبيه السلطان بايزيد الثاني، الذي أضرم أولادُه نار الحروب الداخلية التي لم تخمد إلا بعد وفاته، أنّ رقّة القلب تذهب بحزم السلطان وتُغري به. لذلك شقّ طريقه نحو الاستفراد بالحكم، وعقد العزم على القضاء على إخوته وأولاد إخوته حتّى يهدأ باله ولا يبقى له منازعٌ في المُلك.
في الوقت الذي جرت العادة على تنصيب أحد الأمراء خلفاً للسلطان، قام بايزيد الثاني بدعوة ديوانه وأهل مشورته للتشاور “في مسألة تنصيب أحد الأمراء خلفًا له، فاستقر الرأي على تنصيب الأمير “أحمد” سلطانًا، فغضب سليم ما أن وصله الخبر، وأعلن الثورة على والده، فسار إلى مدينة أدرنة واستولى عليها وأعلن نفسه سلطانًا”.
ما أن تولّى سليم مقاليد الحكم، حتى أعلن أخوه أحمد العصيان ورفض الخضوع له. نصب أحمد نفسه حاكماً على أنقرة، وأرسل ابنه “علاء الدين” فاحتل مدينة بورصة في 19 يونيو سنة 1512، وراسل الوزير “مصطفى باشا” يخبره عن عزمه توطيد نفوذه وخلع أخيه ووعده بمنصب كبير إن نقل إليه جميع تحركات سليم ونواياه
عندما خرج “أحمد”، الذي كان حاكماً على “أماسيا”، على أخيه السُّلطان “سليم”، فسيطر على “بورصة”، ردّ عليه السُّلطان “سليم” بحملة عسكرية كبيرة تمكن من خلالها من السَّيطرة على “بورصة”؛ غير أنّه لم يتمكن من إلقاء القبض على أخيه “أحمد” الذي هرب بمساعدة أحد الوزراء. ألقى سليم القبض على أولاد إخوته الخمسة، الذين كان أكبرهم يبلغ من العمر عشرون عاماً وأصغرهم لم يتجاوز السَّبعة أعوام، وأصدر الأوامر بقتلهم جميعاً
تمكنت الدولة العثمانية من بسط نفوذها، في فترة ما سمي بـ “العصر الذهبي”، مع أحد أهم سلاطينها، السلطان سليمان القانوني الذي توسّعت في عهده الدولة وترسّخت المؤسسات القائمة؛ حتى لُقِّب كما جاء في رسالتة لفرنسوا الأوَّل ملك فرنسا بـ”سُلطان السلاطين، وبُرهانُ الخواقين، مُتوِّجُ الملوك، ظُّلُ الله في الأرضين… أنا السُلطان سُليمان خان بن السُلطان سليم خان، بن السُلطان بايزيد خان”. غير أنّه، في ذات الوقت، لم يحِد عن قاعدة آبائه وأجداده المؤسسين، فاستنّ بسنة القتل التي تم العمل بها كتقليد في عهد بايزيد الأول، وكتشريعٍ في فترة حكم محمد الثاني…
المصادر
– خليل اينالجيك، تاريخ الدولة العثمانية: من النشوء إلى الإنحدار، ترجمة: محمد الأرناؤوط، الطبعة الأولى، دار المدار الإسلامي، الصفحة: 9
– نزار قازان، سلاطين بني عثمان بين قتال الإخوة وفتنة الإنكشارية، الصفحة: 37.
– محمد فريد بك المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، الصفحة: 72