طرابلس بين زمن الانكشاري تورغوت باشًا و الانكشاري علي برغل…وميلاد العسكر سوسة

طرابلس بين زمن الانكشاري تورغوت باشًا و الانكشاري علي برغل…وميلاد العسكر سوسة

طرابلس
بين زمن الانكشاري تورغوت باشًا
و الانكشاري علي برغل
…وميلاد العسكر سوسة
كان أول والي عثماني في حقبة الحكم العثماني الأول (1551ـ 1711)، يدعي درغوث (تورغوت )باشا، وإستطاع هذا الـ (درغوث) بسط النفوذ العثماني على الشواطئ الليبية، لكنه لم يستطع الإتجاه نحو الأرياف والأقاليم الداخلية للبلاد ، فقد واجه مقاومة شرسة من سكان الأرياف وبدوالصحراء وإكتفى بفرض الأتاوات وبأخذ الخراج السنوي عقب كل سحابة مطر تظهر في السماء حتى وإن كانت عابرة دون القيام بعوامل النهضة في البلاد وإنعاش إقتصادها، حتى صار النفوذ العثماني الطويل على ليبيا بغيضاً وعنواناً لجمع الميري والتخلف والجهل وإنجازاته تختصر في قيام هذا الدرغوث باشا ببناء جامع وقلعة لجند الإنكشارية لحمايته وإتخاذها مقراً له ولسكنه.
سنجق طرابلس الغرب، لم ينجو من هذا الواقع، وبمرور الزمن وتعاقبه، أصبح اغلب ولاة طرابلس تحت سيطرة أمراء الجند من الإنكشاريين وهم هجين من زيجات بين جند الإنكشارية وخصوصا من سلالة ( الكورغولية ) ونساء محليات.
أدى التغيير المستمر للولاة من الباب العالي العثماني في الأستانة خشية من أن يفكر الولاة بالإنفصال عن الدولة العثمانية إلى تنامي نفوذ هؤلاء الإنكشارية والقراصنة على الولاة الباشوات حتى إضطر الولاة لإسترضائهم وإطلاق يديهم للتنكيل بالناس وتحويل حياتهم لجحيم.
وأصبح ميناء طرابلس موئل للقرصانة الإنكشاريين الذين كونوا لأنفسهم مكانة معتبرة مبنية على أعمال الصعلكة والقوة المشرعة من الباشا.
ومع كثرة الفتن الداخلية من الجند الإنكشاري والقراصنة وقناصل البلدان الأوروبية، ضعف آخر الولاة العثمانيين جعفر باشا و سليمان طاي و خليل باشا وإنتشر الفساد والنهب والسلب حتى ظهور ( أحمد باشا القره مانلي ) ليتولى حكم طرابلس ويكون لسلالته الإنكشارية الهجينة تاريخاً في حكم البلاد إمتد لقرن وربع من الزمان (1711 – 1835).
وقد درج الكثير من الليبيين وخصوصاً في تراثهم الأدبي الشعبي على تسمية جند الإنكشارية الهجين بالـ “عساكر سوسة ” نسبة لأعمالهم المرتبطة بالصعلكة وأعمال القتل والنهب والسلب والجرائم وسوء الخلق وقلة الادب التي واكبت وإنتشرت في كل مراحل الحقبة القره مانلية حيث سادت الفتن والمؤامرات حتى بين سلالة القره مانليين نفسهم.
ومن يريد الإستزادة من روايات القراصنة والإنكشاريين في ذلك الزمن الغابر من الأيام ، عليه قراءة سيرة القرصان ( علي برغل ) الذي غزا سنجق طرابلس وإستولى عليها يوم 26 يوليو 1794 بدعم من بايات الجزائر ولحسابهم .
ولكن الأمر لم يدم له طويلاً بتحرك إنكشاريين من مدينة سوسة التونسية حين أرسل ( حمودة باشا ) باي تونس أسطولاً إلى جزيرة جربة لتحريرها من قراصنة
( علي برغل ) تزامناً مع هجوم بري على سنجق طرابلس إبتدأ من مدينة سوسة بجيش قوامه عشرين ألف عسكري بقيادة مصطفى الخوجة سليل الأسرة القره مانلية التي إستجارت بـ باي تونس وأطلق على هذا الجيش إسم
“عسكر سوسة “ .
وفي طريقه إلى طرابلس إنضم العديد من أبناء القبائل لهذا الجيش بسبب بغضهم للقرصان علي برغل حتى بلغ تعدادهم ثلاثين ألف مقاتل وصلوها ليلة 18 يناير 1795 وفر علي برغل منها بسفينتين مليئتين بما إستطاع سلبه من المدينة بعد أن قتل جميع الرهائن الذين كانوا في قبضته ودخل جيش حمودة باشا طرابلس ليجدها قد جردت من جميع أموالها وكنوزها بعدما نهبها علي برغل ولم يجد القره مانليين العائدين ما يكافئوا به إنكشاريو عسكر سوسة فقام هؤلاء بنهب طرابلس ودمروا منازلها الآمنة لثلاثة أيام و قتلوا كثيراً من أهلها وإستباحوا الحرمات ومن هنا جاء وصف ” عسكر سوسة ” لكل اللصوص والقتلة وعديمي الأخلاق وأصبح صفة عبر التاريخ لكل ذميم .