الإنكشارية في ليبيا

الإنكشارية في ليبيا

الإنكشارية

………..

لقد أعتمد العثمانيون منذ نشأتهم على القوة العسكرية، وذلك على إعتبار أنها القوة المؤثرة، والعامل الرئيس في الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية،  وإتساعها في ثلاثة قارات عالمية في أوروبا وآسيا وأفريقيا.

وكان العنصر الرئيس في الجيش العثماني هو ماعرف بالإنكشارية، وهي هيئة عسكرية حظيت بإهتمام بالغ من الدولة العثمانية، لم تحط به أي هيئة حكومية أخرى(1).

والإنكشارية هي كلمة عربية وقد حرفت عن الكلمة التركية عند ترجمتها وهي "يني تشاري" وترسم بالتركية "يكيجري"(2)، وكونها السلطان أورخان العثماني في القرن الرابع عشر الميلادي، وهم مجموعة من الجنود المدربين على أعلى مستوى من التقدم – بالنسبة لزمنهم – وقد دربوا على أسلحة ووسائل حربية حديثة، كما تعلموا اللغة التركية، وكانوا يتبعون السلطان مباشرة ومرتبطون به شخصيًا يأتمرون بأمره ولا يعرفون سواه(1).

وبدأت فكرة بناء الفرقة الإنكشارية، عندما قام "أورخان" بتربية الأطفال المشردين، وأيتام النصارى، بسبب الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية، أو من الأتراك الذين فضلوا تربية أبنائهم طواعية على مبدأ الجيش الإنكشاري، فقاموا بتسليمهم للمعسكرات والقادة العسكريين للجيش(3)، ويتولى قيادتهم، القائد الأعلى للجيش الإنكشاري (آغا).

ليبدأ هاجس هذا الجيش ينغص حياة الدولة العثمانية، مما عرضها للكثير من الفتن والقلاقل، وبدلًا من أن ينصرف زعماء الإنكشارية إلى حياة الجندية التي طبعوا عليها، راحوا يتدخلون في شؤون الدولة؛ فكانوا يطالبون بخلع السلطان القائم بحكمه ويولون غيره، ويقتلون بعضهم، وشعر السلاطين بخطرهم، فأرادوا تطوير الجيش وتحديثه، خاصة في عهد السلطان محمود الثاني عام 1808، فرفض الإنكشاريين ذلك، وانطلقوا في شوارع اسطنبول يشعلون النار في مبانيها ويهاجمون المنازل، ويحطمون المحلات التجارية، ليصدر السلطان محمود أوامره بضرورة القضاء عليهم، ليسقط في السادس من يونيو 1826 أكثر من ستة آلاف جندي إنكشاري، وأصدر في اليوم التالي قرار بإلغاء الفيالق الإنكشارية(1).

وقد تولى عدد من الإنكشاريين ولاية طرابلس، كآغوات الكول اوغلية، وأصحاب الحرف، نذكر منهم عثمان القهوجي ، كان قهوجياً في الأصل "كان يطبخ القهوة بسوق التُّرك"، الذي قطع رأسه في بني وليد، وجيئ برأسه إلى طرابلس على رأس حربة حيث تم دفنه على الفور في بستان محمد داي، الذي لم يرغب في عرض الرأس على بوابة المدينة، كما تقضي التقاليد عادة في الحالات المماثلة(4)،  وإبراهيم التارزي (الخياط)، الذي أكل لحم رجل بعد قتله، وكان أول والٍ لطرابلس، مراد آغا وكان من أصل إيطالي، ولد في راقوسيا من البلاد الإيطالية، وأسره القراصنة وباعوه في سوق النخاسة، وآل أمره إلى قصر السلطان سليم الأول وأجريت له عملية اخصاء ليباشر خدمة النساء في القصور الملكية".

وتولى حكم طرابلس، 72 والياً تركياً، قضى 70% منهم بالقتل أو الانتحار، ويقول الزاوي عن عهود الحكام الأتراك لطرابلس: "ابتدأ العهد التركي في شعبان سنة 958 هجرية، الموافق أغسطس سنة 1551 ميلادية، ويتسم هذا العهد بالظلم والفوضى وسلب الأموال وعدم التقيد بأي شريعة إلا ما تمليه إرادة الوالي، وأن المواطن الليبي الذي كان يعجز عن دفع الضريبة للعثمانيين، فكان يحمل على ظهر جمل أو يجرّ مكتوفاً بذيل حصان، ثم يساق إلى السجن، أما إذا أفلت من هذا العذاب" وفرّ من جنود الوالي، ففي هذا الحالة يقوم الجنود بإلزام جاره هو، بدفع ما عليه من ضريبة".

يقول المؤرخ التركي محمد بهيد الدين مترجم كتاب التذكار إلى التركية: "إن الإنكشاريين الذين كان درغوت قد استقدمهم في الزمان السالف، كانوا يسمون (الكول أوغليه) – الكوارغليه – قد ثاروا واستولوا على حي يقع في وسط مدينة طرابلس ويسمى سوق الترك، فانفردوا به، ومنذ تلك اللحظة أخذوا يعاملون الأهالي المحليين بكل قسوة، وكانوا ينتهزون أتفه الأسباب لإنزال أقسى أنواع الشدة بالناس، وكانوا يستخدمون أسوأ أساليب الظلم"، وما يحكى أن أحمد باشا القرمانلي قام بدعوة رؤوس قوى الإنكشاريين لوليمة طعام بقصر الهاني، وتم خلالها القضاء عليهم في مجزرة بلغ عددها 300 عسكري انكشاري.

واليوم هناك جزءا "كبيرا جدا" من العائلات والشخصيات التركية موجودة في ليبيا منذ ذلك الحين، ممن كانوا يسمون "أبناء السلطان" أو "الكراغلة الانكشاريين"، وتمركزوا تحديدا بالذات من مدن الساحل، وأن غالبية سكان مصراته الحاليين هم من أصول تركية، فيما يتوزع آخرون بين طرابلس والزاوية وزليتن ومدن أخرى.

أن سلوك وممارسات قوات الإنكشارية التي أرتكبوها في ليبيا تقشعر منها الأبدان، كاغتصابهم لطفل أمام عيني أبيه!، ولعل أقسى ما مارسه الولاة الإنكشاريين ما كان يفعله عثمان باشا الساقزلي، إذ عين أقرباء له قُواداً، وبلغ فيهم الظلم، أنهم "لا يسمعون بامرأة جميلة إلااغتصبوها من زوجها"، هي ذاتها التي تمارسها المليشيات ذات الأصول غير العربية اليوم، خاصة الكراغلة، ستكون سبباً في إزدياد وتيرة المقاومة الجماهيرية وإصرار شعبنا العربي للقضاء عليهم(5).

- الكراغلة أو (الكول أوغليه)، التركية كانت تطلق على كل من كان أبوه تركيًا وأمه ليبية، وتشكل من مكون الكراغلة الجنود الانكشاريون.

المراجع:

1- الغازي، أماني بنت جعفر بن صالح، دور الإنكشارية في إضعاف الدولة العثمانية (الجيش الجديد)، دار القاهرة 2007.

2- المحامي، محمد فريد، تاريخ الدولة العثمانية، دار النفائس بيروت 1997.

3- شرف، عبدالرحمن، تاريخ الدولة العثمانية، الجزء الأول.

4- الوافي، محمد عبدالكريم، الحوليات الليبية منذ الفتح العربي حتى الغزو الإيطالي، منشورات جامعة قاريونس بنغازي، الطبعة الرابعة 1998.

5- الزاوي، الطاهر أحمد، ولاة طرابلس من الفتح العربي إلى نهاية العهد التركي.


https://albunyanalmarsus.com/