شلالات دماء

شلالات دماء

شلالات دماء
مذبحة جديدة تضاف إلى التاريخ الدموى للعثمانيين فى ليبيا كان بطلها "محمد رائف باشا" والى طرابلس الجديد، الذى تسلم مَهامه فى سبتمبر 1835، وقد بدأ عهده البائس بقَمع الليبيين عندما قاد حملة عسكرية على إقليم "تاجوراء" الذى امتنع سكانه عن دفع الضرائب، ورفضوا توريد محاصيلهم إلى أسواق طرابلس.
وبعد مقاومة شديدة من أهالى "تاجوراء" سقط 500 شهيد على يد العثمانيين الذين استولوا على أموال وبضائع التجار، وأنهوا دور "تاجوراء" التجارى، ونهب الجنود ممتلكات الأهالى، وخطفوا 100 فتاة و145 طفلًا، وفَرّ عددٌ كبير من الأهالى إلى الصحراء.
وكانت مقاومة الليبيين ورفضهم للممارسات العثمانية صداعًا دائمًا فى رأس الباب العالى، وهو ما يؤكد زيف الادعاءات العثمانية بأن استيلاءهم على الأراضى العربية كان بدعوة من أهلها.
فقد انتشرت المقاومة الوطنية للاحتلال العثمانى، رُغم كل الدعايات المكثفة لاستغلال دعاوَى الخلافة لتخدير الشعوب العربية المُسلمة، وإيهامهم بالسُّلطة الدينية للباب العالى.
وأثارت مقاومة الليبيين ذعر السُّلطان "محمود الثانى"، فأرسل حملة عسكرية فى 22يونيو 1836 بقيادة "طاهر باشا"، شملت 12 سفينة حربية على متنها 3 آلاف جندى، بينهم 300 من الخيالة، وحملت السّفن المَدافع والذخائر والمؤن العسكرية.
بدأ "طاهر باشا" حملته العسكرية بالهجوم على مصراتة، وتواصلت المعارك مدة 28 يومًا متواصلة، وتكبّد الأتراك خسائر بشرية كبيرة وصلت إلى 600 قتيل، وفى 9أغسطس 1836 تمكن "طاهر باشا" من الاستيلاء على مصراتة، وعيّن ضابطا عثمانيّا حاكمًا للمدينة واستخدم العثمانيون كل الوحشية الممكنة حتى أسفر القتال عن حصد أرواح 80 ألف ليبى، من المدنيين الأبرياء.
لم تقتصر الوحشية العثمانية فى ليبيا على ميادين القتال، بل امتدت إلى كل ميادين الحياة، فقد مارس العثمانيون صورًا فجّة من العنف من أجل نهب ثروات الليبيين، وفرض العديد من الضرائب والجبايات، مستخدمين فى سبيل ذلك كل صنوف التعذيب والإهانة بحق الشعب الليبى.
واتبع العثمانيون نظام الالتزام الذى طبقوه على كل الولايات العربية، وكان يعتمد على بيع حق جمع الضرائب لأحد الأشخاص، على أن يتولى توريد حصة معينة للباب العالى، بغض النظر عن إجمالى ما يجمعه لنفسه من دماء وأقوات الشعب.
ولأجل ذلك كانت تسخر قوة القمع العثمانية لمواجهة أى محاولة للاعتراض، وكان الوالى العثمانى يعرض حق تحصيل الضرائب فى مزاد علنى؛ ليستقر على ثرى عثمانى أو أحد قادة الجيش؛ لينطلق هؤلاء فى نهب الليبيين، وإذا عجز شخصٌ عن الدفع يتم القبض عليه، ويُربط فى ذيل حصان حتى السجن، ما دفع بعض الفقراء إلى الهروب من بيوتهم فور وصول الجباة العثمانيين.