تآمر عثمانى

تآمر عثمانى

تآمر عثمانى
لم تتوقف مأساة الاحتلال العثمانى لليبيا على تلك الجرائم المُخزية، بل اكتملت المأساة ببلوغ التآمر العثمانى ذروته، بعدما فرّط العثمانيون فى الأراضى الليبية وجلبوا إليها الاحتلال الإيطالى، وتآمروا ضد زعماء المقاومة الليبية.
ولا ينسَى الشعبُ الليبى كيف باعت الدولة العثمانية ليبيا إلى إيطاليا فى تلك المعاهدة الشهيرة التى أطلق عليها معاهدة “أوشى” (لوزان)، التى وُقّعت عام 1912.
ووفقًا لتلك الاتفاقية وجد الشعبُ الليبى نفسَه وحيدًا فى مواجهة إيطاليا على الأراضى الليبية، بعد أن جثم الاحتلال العثمانى على صدور الليبيين لمدة تزيد على 350 عامًا، لم تشهد البلاد فى عهدها رُقُيّا، أو نهضة.
لم يكن دورُ العثمانيين الأتراك فى الاحتلال الإيطالى لليبيا مقصورًا فحسب على التخاذل العسكرى داخل ميدان الحرب، بل سبق ذلك تواطؤ تركى ظاهر مع إيطاليا، خوَّل للأخيرة اختراق ليبيا اقتصاديّا، ووضع الخُطط الحربية المُثلى لغزو البلاد تحت مرأى ومسمع الأتراك، بل إن العثمانيين عمدوا إلى نزع السلاح من الليبيين قبيل الغزو الإيطالى، كما قاموا بسَحب الحاميات العسكرية التركية من المدن لتسهيل عملية الغزو، وجعلها سهلة ميسورة على الطليان.
وعن تلك المواقف المخزية والتآمر التركى على ليبيا منذ عقود طويلة، يشير كتاب "جهاد الأبطال فى طرابلس الغرب"، الذى كتبه مفتى ليبيا ومؤرخها الأشهَرُ "الطاهر أحمد الزاوى"، وصدر عام 1950.
"منذ ثلاثمائة سنة والليبيون فى صراع مرير مع الترك للتخلص من ظلمهم واستبدادهم وفساد حُكمهم.. وقد ثار عليهم الليبيون أكثر من ثلاثين مرّة فى فترات من الزمن متتابعة، قام بها رؤساء القبائل فى كل من طرابلس وبرقة. وما كان السكوت عن الثورة فى بعض الأحيان إلّا انتظارًا للفرص والظروف المواتية".
ويتابع: "واستمر الترك فى حُكمهم الفاسد: فوضى فى الحُكم. وسلب الأموال بالضرائب الفادحة والغصب وعدم الاهتمام بالإصلاح. ففشى فى الشعب الجهل لعدم وجود المدارس، وتمكن فيه الفقر لقلة التجارة والزراعة، وانعدمت الصناعة وكثرت فيه الأمراض لقلة الأطباء وأصبح فى حالة دونها كل ما يتصوره الإنسان من بؤس".
ويضيف: "وجاء الاحتلال الإيطالى فى أكتوبر سنة 1911 وقد هيأت له تركيا جميع الوسائل التى تسهل عليه احتلال ليبيا. فسحبت جيشها وسلاحها، وبقى الشعب فى فقره وجهله ومرضه وقلة وسائل دفاعه. بقى وحده أمام الحقيقة الرهيبة: جيوش جرارة وأساطيل مدمرة وطائرات تدك القرى والمدن بقنابلها".