الفيدرالية والتقسيم

الفيدرالية والتقسيم

لقد كنا نعتقد ان “فتنة الفيدرالية” التي فرضتها الدول الثلاث بريطانيا-فرنسا- ايطاليا على ليبيا خلال ما بعد الحرب العالمية الثانية لن تقوم لها قائمة بعد ما أبطلها الشعب الليبي بفضل المخلصين من أبنائه ,وطويت صفحتها السوداء لأكثر من ستة عقود مضت سواء خلال العهد الملكي او ما بعده في عهد القذافي. لكن بمجرد انهيار نظام القذافي ظهرت علينا ثلة من الانفصاليين انتهازيي الفرص يطالبون بالعودة الى حقبة استعمارية بغيضة قسمت فيها ليبيا إلى ثلاثة أقاليم وهمية متمثلا ذلك في مطالبتهم بان تكون برقة إقليما منفصلا, ما يعني العودة إلى جوقة الأقاليم الثلاثة المزعومة!! دعواهم في ذلك قصة التهميش وما إدراك ما التهميش!!! ليقسموا ليبيا ويفرقوا بين أبنائها, فنصَبوا أنفسهم أوصياء عن أهلنا في الشرق الليبي وهم منهم براء.
ولأولئك الانتهازيين أصحاب التوجهات الإقليمية الضيقة نقول إنكم وان غالطتم البعض, لكنكم لن تستطيعون مغالطة التاريخ والحقيقة الدامغة التي فحواها أن ليبيا عبر التاريخ لم تكن إلا إقليما واحدا موحدا!
وبمراجعة بسيطة لتاريخ ليبيا قبل وبعد الفتح الإسلامي نجد ان ليبيا كانت إقليما واحدا تحت اسم “ولاية ليبيا” وفي بعض الأحيان يسمونها ولاية طرابلس الغرب وبالرغم من انه لم تكن هناك حدود مرسَومة كما في الحاضر إلا أن ولاية ليبيا كانت دائما تضم نفس المدن والمناطق التي تتشكل منهم جغرافيا دولة ليبيا الآن وان كانت المدن ليست بالكثرة كما هو في الحاضر لمقتضيات النمو السكاني.
لقد كان القطر الليبي خاضعا لمركز الدولة الإسلامية بدءًا من خلافة الأمويين وانتهاء بالعثمانيين وكانت ليبيا مجرد ولاية تابعة للخليفة او السلطان في مركز الخلافة او الباب العالي في اسطنبول. اذا على امتداد أكثر من ألف سنة مضت كانت ليبيا ولاية من ضمن الولايات الإسلامية المكوَنة للإمبراطورية الإسلامية من الأموية والعباسية والفاطمية ونهاية بالاحتلال العثماني . أليس هذا كفيلا بلجم أفواه الانفصاليين دعاة الإقليمية!؟
لكن دعونا نعرف كيف ومتى جاءت فكرة تقسيم ليبيا وما يسمى بالأقاليم الثلاثة؟!
الإجابة على هذا التساؤل بسيطة وواضحة وتتلخص في تتبع تاريخي لمرحلة من عمر ليبيا خلال وبعد العهد العثماني الثاني.
طبعا الجميع يدرك انه حتى عام 1911 ظلت ليبيا خاضعة للحاكم او الوالي التركي وعندما غزت ايطاليا ليبيا مع نهاية ذلك العام وتمكنت من احتلالها وإنهاء سلطة الأتراك عليها كانت ليبيا إقليما واحدا موحدا كما هي من مرزق وغات جنوبا إلى طبرق شرقا الى زوارة غربا, وقارئ التاريخ يدرك تماما ان ايطاليا قد بسطت نفوذها على كل المناطق الليبية في مرتين الأولى كانت في فترة ما قبل 1915 والثانية ما بعد 1929 واستمرت تحتل وتدير القطر الليبي بأكمله حتى نشوب الحرب العالمية الثانية حينما تكتل المتحاربون الى جزئين: دول المحور ودول الحلفاء.. ووقفت ايطاليا إلى جانب ألمانيا وهو ما يسمى بدول المحور, إما بريطانيا ومعها فرنسا فتمثلان دول التحالف وعندما تمكن الحلفاء من دحر المحور في الشمال الإفريقي ما يعني هزيمة ايطاليا وألمانيا وانتصار فرنسا وبريطانيا قررت كل من بريطانيا وفرنسا إحكام سيطرتهما على أجزاء من التراب الليبي وتحديدا الجزء المتاخم لمستعمراتهما في إفريقيا, ففي حين كانت بريطانيا تسيطر على مصر توسعت على حساب العدو المهزوم ايطاليا وسيطرت على المنطقة الشرقية من ليبيا وأعلنتها إقليما منفصلا وهو برقة وبالمثل توسعت حليفتها فرنسا شمالا من مستعمراتها في النيجر وتشاد في الجنوب الليبي وأعلنته إقليما منفصلا وهو فزان..ولقد تم تكريس ذلك على الارض فعليا بعدما تم الاتفاق مع ايطاليا وفق معاهدة بالخصوص على تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم أبقت على الجزء الغربي من ليبيا تحت سيطرة ايطاليا .
وهكذا ولأول مرة يتم تقسيم ليبيا سياسيا إلى ثلاثة أقسام وهو ما اصطلح عليه بالأقاليم: (طرابلس – برقة – فزان) ((بعد ان كان التقسيم الاول في العصور الاولي الي ((قسمين)) حيث كان قسم الاغريق في شرق ليبيا وقسم القرطاجيين في غربها ولا يخفي على قارئ التاريخ قصة الاخوين فيليني وانشاء بالبو للقوس في فترة الاحتلال الايطالي الثاني)).
ولقد حاولت الدول الثلاث جاهدة على الإبقاء على هذا الوضع وتمزيق القطر الليبي حتى بعد توالي المحاولات بالمطالبة باستقلال ليبيا ووقفت الدول الثلاث بالمرصاد لكل مشروع يطالب بذلك.
يجب علي دعاة الانفصال والمتمترسين خلف مفاهيم ومصطلحات غربية لا يدركون معانيها مثل الفيدرالية!
أن يستذكروا التاريخ ليعرفوا ان فترة تقسيم ليبيا سياسيا بدأت مع العام 1945 وانتهت في العام 1951 كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية فرضها المنتصرون بقوة السلاح رغما عن أهل ليبيا وان ذلك الوضع المفروض لم يكتب له الاستمرار إلا فترة 6 سنوات فقط وحتى يفهم دعاة الانفصال حقيقة التاريخ الليبي الحديث عليهم ان يستدركوا لماذا عندما تم إعلان الاستقلال اشترطت الدول الثلاث أن يكون لكل إقليم وزنه على أساس متساو بغض النظر عن حجم أو جغرافيا أو كثافة سكان كل إقليم تكريسا منهم لسياسة الأمر الواقع ومعاملة كل إقليم وكأنه دولة قائمة بذاتها!! لذلك اشترطوا ان تكون دولة ذات صبغة اتحادية!. ولهذا بعد إعلان الاستقلال كان اسم الدولة الرسمي – المملكة الليبية المتحدة – لكن إرادة المخلصين من أبناء ليبيا كانت أقوى من مؤامراتهم حين توصل الليبيون المخلصون للوطن بعد استغلالهم لضغوط الشركات النفطية علي الملك في ذلك الوقت بحجة عدم قدرة الشركات النفطية علي تصدير النفط من ولاية وانتاجه من ولاية اخري مما يضطرهم لدفع الضرائب ويقلل الارباح بالإضافة الي السخط الشعبي من نظام الولايات حيت كان الليبيون يسافرون من طرابلس الي بنغازي او سبها كانهم مسافرين الي بلدان اجنبية
كل ما سبق عجل إلغاء ما سمي بالنظام الاتحادي وعدل دستوريا في 1963 وأعيد تسمية الدولة بسم: (المملكة الليبية) فقط تأكيدا جازما على انه لا وجود أصلا لثلاثة أقاليم وان ما حاولت الدول الاستعمارية فرضه لا يمكن ان يقبله الشعب الليبي وان ما حدث لا يعدو كونه مطامع ومؤامرات استعمارية خبيثة كانت تسعى لتفريق الشعب الليبي وتقسيم ليبيا خدمة لأهدافهم الرخيصة.
•المحرر


ترويج