عروبة البربر
لماذا سكتنا عن عروبة البربر ؟
بقلم الباحث العُماني سعيد بن عبد الله الدارودي
ظهرت (النزعة البربرية) بشمال إفريقيا منذ عقود خلت على يد ما بات يُعرف بالحركة الأمازيغية، وهي نزعة عرقية شرعت تعمل ـ منذ ظهورها على تأسيس هوية جديدة لبلدان المغرب العربي، أطلقت عليها هذه الحركة اسم الهوية الأمازيغية. ولم تكن النزعة هذي وليدة الاستعمار الغربي وحده ـ الذي أراد أن يصنع هويتين متعارضتين في أوطاننا من أجل ضرب الوحدة الوطنية وإضعاف الوفاق الوطني، وجعل لغة المستعمر وثقافته في مكانة عالية مصونة ـ بل كان ظهور هذه النزعة أيضاً هو نتيجة إعراضنا عن ترسيخ عروبة المغرب الكبير بوساطة عمل مشروع علمي مؤسساتي جاد ومُسخَّر له كل الإمكانات التي يحتاجها لتحقيق أهدافه، مشروع يقوم على البحث في عروبة التراث البربري والمقارنات الواسعة المستفيضة ما بين التراثين، التراث البربري والتراث الشعبي بالمشرق العربي.
كان النسَّابة والإخباريون العرب هم من أسس لعروبة البربر. ورغم التحفظ على أجزاء مما أورده هؤلاء من قصص وحكايات وأنساب، إلّا أننا لا يمكننا أن نُدخل ما جاءوا به في خانة الأساطير والخرافات، وذلك لأن للأسطورة نصيب من التاريخ، ناهيكم عن أن الحقائق العلمية المعاصرة تؤكد ما قاله أولئك الإخباريون القدامى عن أصول البربر، وهذا هو مربط الفرس.
فماذا فعلنا نحن في هذا الأمر المهم الذي أخبرنا به القدماء ثم أكدَّه البحث العلمي بعد ذلك بزمن طويل ؟
إنَّ مواقفنا مما يفعله أبناء الحركة الأمازيغية ومن يقف معهم من خارج الوطن من أجل سلخ المغرب العربي عن هويته العربية هي مواقف مخجلة، ومستفزة لكل مستشعر بالخطر المحيط ببلدان المغرب العربي.
لقد أدَّت هذه المواقف إلى جهل العرب عامَّة والبربر خاصَّة بعروبة المغرب العربي السابقة للفتح الإسلامي. وتظهر هذي المواقف السلبية من خلال:
* بقاء التعريف بحقيقة عروبة البربر داخل إطار نخبوي ثقافي ضيّق. فقد ظلَّت هذه الحقيقة محصورة بين رهط من الباحثين والمثقفين، بسبب تجاهل النخب السياسية ووسائل الإعلام لها، مع سبق الاصرار والترصد لتهميش وتغييب الحقائق التي تدعم المشروع العروبي وترأب الصدع .
* عدم استثمار العلماء والدعاة وأئمة المساجد والمنابر الدينية في إشاعة حقيقة أنَّ البربر هم عرب الهجرات القديمة لشمال أفريقية قبل الفتح الإسلامي بقرون طويلة. فلو كان هؤلاء يقومون بما قام به العالم الجليل الشيخ أحمد الخليلي مفتى عام السلطنة في ليبيا منذ سنوات خلت عندما زار منطقة الجبل العربي هناك، والتقى بجماهير من البربر، وأخبرهم في ثنايا محاضراته الدينية بحقيقة أصولهم المشرقية العربية؛ لأرشدوا الناس إلى الوقائع المجهولة والحقائق المغيَّبة والدراسات العلمية المقارنة التي تثبت عروبة هذا الشعب العريق، ولكانت المحصلة ـ حينها ـ عظيمة والأثر كبير، والنتيجة حميدة مستحسنة.
* إظهار القضية البربرية بتداعياتها على أنها قضية مغاربية بحتة لا علاقة للمشرق العربي بها. والواقع أنَّ الحال السيئة التي وصلت إليها الأمة العربية والتي جعلت كل قطر ينكفئ على نفسه منشغلاً بمشاكله الداخلية ليست عذراً لأن يعزل المشارقةُ أنفسهم عمّا يجري في المغرب العربي. خاصة أنّ الغرب وعلى رأسه فرنسا انحاز إلى الحركيين المغاربيين المعادين للعروبة.
* التهوين من نشاط وأهداف الحركة الأمازيغية ومن يساندها في الغرب. وفي هذا المقام أرى من واجبي أن أسرد لكم قصتي عام 2010 ميلادي، فقد كنت مدعوَّاً للغداء في منزل طبيب ليبي، وبعد تناول الطعام وشروع الضيوف بارتشاف الشاهي، كان الحديث بينهم ذو شجون، حيث تحول في منتصفه إلى القضية الأمازيغية، فقال الطبيب المضيف لقد حذرَّنا (معمرُ القذافي )
قبل عشرين عاما من خطورة الحركة الأمازيغية الليبية على ليبيا، فقمنا نضحك منه ونتهمه بالتهويل والمبالغة، والآن بعد اتضح مخطط هؤلاء وقويت شوكتهم اكتشفنا أن (القذافي)
هو العاقل اليقظ الذي أدرك مبكراً ما يحاك لهذا الوطن.
* الإرهاب الفكري ـ وأحياناً يكون إرهاباً جسدياً ـ الذي تمارسه الحركة الأمازيغية على من يؤمن بعروبة البربر ويجاهر بها أدّى إلى إعراض الغالبية من الكتاب والباحثين وغيرهم عن البحث عن الأصول المشرقية للبربر. ولهذا يحتاج هذا العمل المقدس إلى رجال ونساء يمتلكون شجاعة أحمد بن نعمان ومحمد سعيد القشاط وأنيسة بن تريدي وعثمان سعدي ومحمد المختار العرباوي ومحمد علي مادون الذين يؤمنون بعروبة البربر ويجاهرون بها.
عروبة البربر هذه الحقيقة المسكوت عنها، والتي يعاديها في أوطاننا الشعوبيون الجدد عداءً مريراً، ويقف إلى جانبها القلة القليلة باستماتة، ويجهلها الغالبية العظمى، أما آن لها أن تخرج من سجن التجاهل والجهل، إلى فضاء التعريف والعِلْم والإعلام ؟