وضع اليهود وعلاقتهم بالليبيين
حينما بدأ الغزو الإيطالي لليبيا عام 1911 م رحب الكثير من اليهود بهذا الغزو، ووجدوا فيه فرصة لتنمية وتطوير أوضاعهم الاقتصادية، بل سعوا إلى توثيق صلتهم بالإيطاليين حتى وصل الأمر بهم حد التعاون مع المحتل والقيام بالإبلاغ عن أعمال المقاومة والجهاد التي ينفذها المجاهدون الليبيون ضد الإيطالي ين وقد سجل الكاتب البريطاني فرانسيس ماكولا في كتابه حرب إيطاليا ضد الصحراء موقف يهود مدينة طرابلس من الاحتلال الإيطالي، وذكر الكثير من الأمثلة لأعمال التجسس التي كان يقوم بها بعض اليهود لحساب قوات الاحتلال مما أدى إلى قتل الليبيين كما حدث مع الأربعة عشر شهيدا الذين راحوا ضحية لوشاية أحد اليهود، والكاتب في إشارته إلى هؤلاء يشير إلى الشهداء الذين تسمى باسمهم فيما بعد ميدان الشهداء الساحة الخضراء حاليا«. وقد تمت عملية شنقهم في الشارع الصغير المعروف باسم شارع سيدي حمودة أمام مدخل المبنى التابع لإدارة الأوقاف، ويدين الكاتب البريطاني بشكل عام جميع يهود مدينة طرابلس الانحياز إلى الجانب الإيطالي).
ويقول القنصل الأمريكي في طرابلس »جان و ود في برقية موجهة إلى وزير الخارجية الأمريكي بتاريخ 18 / 3 / 1912 م إن معظم اليهود في طرابلس مكتسبون الجنسية الإيطالية .
هؤلاء الناس صاروا أكثر تحما إلى الإيطالي ين ف في كل فرصة للتعبير عن ولائهم للإيطاليين كان اليهود أكثر تعبيرا وأكثر وضوحا من غيرهم
هذا التحول السلوكي للكثير من أفراد الطائفة اليهودية مكنهم من التقرب إلى المحل الإيطالي الذي رفع من شأنهم وأعلى منزلتهم على حساب العرب الليبيين وأعطاهم مزايا وحقوقا سياسية ودينية واقتصادية وقد صنفت سلطات الاحتلال الإيطالي اليهود من الناحية القانونية إلى فئات ثلاث هي:
الأولى: مواطنون إيطاليون، وهم اليهود الذين كانوا بإيطاليا، ويحملون الجنسية الإيطالية ودخلوا مع الإيطالي ين إلي ليبيا وعددهم محدود، وكذلك يهود ليبيا الذين تجنسوا بالجنسية الإيطالية قبل عام 1919 م، وهذه الفئة لها ما للإيطاليين من حقوق، وعليها ما عليهم من واجبات .
الثانية: مواطنون ليبيون يدينون باليهودية، وقد صدر بشأنهم قانون عام 1934م يسويهم مع غيرهم من ال ليبيين يهود ليبيون .
الثالثة يهود ينتسبون إلى جنسيات مختلفة، يخضعون لما يخضع له الأجانب مع حق قنصليات دولهم للتدخل في شأنهم بالمساعدة والحماية .
وقد عمل الحاکم الإيطالي الفاشي لطرابلس فولبي في بداية عام 1923 م على إيجاد تمییز عرقي بين الأجناس في طرابلس نتج عنه تقسيم في الوظائف ولوضع هذه السياسة موضع التنفيذ قام بفصل جميع الليبيين من الوظائف العامة ويصف سیرجو رومانو هذا التقسيم على النحو التالي - »الوظائف القيادية للإيطاليين لما لهم من ميزة الحصول على التعليم العالي، ول لعرب الحرفة اليدوية والزراعة الصغرى والرعي والمتجر الصغير ، ول ليهود امكانات أوسع مجالا للتطور الاجتماعي تتمثل في مجموعة من مهام وساطة توكيلات تجارية وسمسرة ومهام اقتصادية، ومهام عقلية .
كما قامت إيطاليا ضمن سياستها الرامية إلى جعل ليبيا الشاطئ الرابع لها بإعلانها عام 1939م بضم طرابلس ومصراته و بنغازي و درنه، باعتبارها جزءا من المقاطعات التي تتكون منها المملكة الإيطالية، وأعطيت لها أرقام مثلها مثل المقاطعات الإيطالية، وعملت كذلك على تغذية مظاهر التفرقة في المعاملات بين السكان من العرب واليهود، ويتضح ذلك جليا بداية فيما يتعلق بالأحوال المدنية في ليبيا، فقد نص المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 6 / 2 / 1939 م على إنشاء سجل الأحوال المدنية، وتنفيذا لذلك فقد أنشئ مکتب للنفوس أعطي صورة واضحة للسياسة العنصرية التي تتبعها إيطاليا تجاه الليبيين زاعمة في تبريرها لهذه السياسة تقبل العرب بحكم عاداتهم وتقاليدهم متطلبات سجل الأحوال الشخصية، حيث نصت المادة الأولى من المرسوم على أن تنظم الأحوال المدنية والنفوس بالنسبة للإيطاليين والأجانب بمقتضى القانون المدني الإيطالي والمرسوم الملكي الإيطالي
وبالنسبة إلى اليهود نصت المادة السادسة من القانون على ضرورة التبليغ عن حالات المواليد والوفيات، أما بالنسبة إلى المسلمين فقد نص على العمل بالمرسوم الإيطالی الصادر عام 1913 م الذي تضمن النص التالي: ينشأ لدى كل بلدية ولدى مكاتب الحكومة التي يعينها الوالي سجل للأهالي المحليين العرب تسجل فيه كل المعلومات حول عدد السكان وأحوالهم وإذا كان من الم مكن يجب أن تكون هذه المعلومات مصنفة بحسب العشائر والقبائل والعائلات يدون في السجل ما يمكن الحصول عليه من قبل الموظفين ).
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، ونشكل طر فيها من محور وحلفاء أظهرت السلطات الإيطالية العداء لليهود أسوة بما تقوم به ألمانيا من إجراءات تجاههم حيث أصدرت ضدهم عددا من القوانين والأنظمة التي تحد من حريتهم وتقيد نشاطهم بلغت ( 9 ) مراسیم وقوانين، وقد تعرض اليهود الأجانب ومن حصل على الجنسية الإيطالية بعد عام 1919 م إما للطرد أو النفي والاعتقال وقامت السلطات الإيطالية الفاشية باعتقال الكثير من اليهود ووضعهم في معتقلات خاصة بهم في منطقتي الخمس وجادو، كما أجبروا على العمل كعمال سخرة في إنشاء الطرقات والسكك الحديد.
وفي عام 1943م وبعد هزيمة دول المحور وسيطرة الحلفاء على مناطق الصراع، سارع يهود ليبيا إلى الترحيب قوات الحلفاء التي نزلت على الشواطئ الليبية، خاصة القوات البريطانية التي كانت تضم كتيبة يهودية قادمة من فلسطين كانت ترفع الأعلام الصهيونية وتنشد الأناشيد الصهيونية وكانت هذه من بين أحد الأسباب التي جرحت مشاعر العرب الليبيين، وكانت بداية لمصادمات متعد دة ومتنالية بينهم، وقد سارعت السلطات البريطانية إلى إصدار القوانين لإلغاء القوانين الإيطالية ضد اليهود في ولايتي طرابلس وبرقة وإزالة الأسلاك الشائكة التي وضعتها إيطاليا حول الحي اليهودي، ومنحت اليهود الحقوق والامتيازات كافة.