الحرب الطرابلسية الأمريكية(1805/1801م)
الحرب الطرابلسية الأمريكية(1805/1801م):
منذ أواخر شهر آذار ولغاية شهر حزيران 1804م دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في مفاوضات مع والي طرابلس يوسف باشا لإطلاق سراح أسراها برعاية فرنسا إلا أنها فشلت بسبب تمسك الوالي بموقفه المتمثل بإلزام الولايات المتحدة الأمريكية على دفع الفدية التي طالب بها والمتعارف عليها دوليا وهي خمسمائة دولار لقاء كل أسير أمريكي، ونتيجة لذلك قررت الولايات المنحدة الأمريكية أن تفرض وجودها بقوة السلاح وأمرت يارسال حملة بحرية إلى طرابلس التي ما أن وصلتها سفنها في 3 أب 1804م حتى باشرت بقصفها بالمدفعية التي استهدفت مدينة طرابلس ومينائها والحصن الذي يوجد فيه الوالي وتواصل القصف لأيام عدة وكان يواجه بقصف مدفعي مقابل ومؤثر ينطلق من المدفعية الموزعة على أسوار قلعة المدينة» وكان قائد الأسطول الأمريكي يطلب من الوالي يومياً بعد الانتهاء من عمليات القصف الاستسلام لمطالبه إلا أنه كان يواجه برفض متواصل من قبل الوالي الذي لم يتزحزح عن موقفه، مما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية للتفكير بخطة بديلة تحول دون أن تقدم أية تنازلات .وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في حالة القطيعة التي كانت قائمة بين الوالي يوسف باشا وشقيقه أحمد بك الذي كان ينافسه على منصب الولاية خير فرصة لتنفيذ هدفها وكان أحمد بك يقيم في مصر منذ إبعاده عن الولاية منذ عام 1795م وتم تكليف أحد ضبط الأسطول الأمريكي وهو الملازم( وليام إيتون ) للاتصال به وعقد اتفاق سري معه يقوم على إعلان أحمد بك ثورته ضد شقيقه وتقوم الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها بدعمه عسكريا وماديا على أن يتولى صاحب الفكرة الملازم إيتون تنفيذ الخطة بكاملها. في يوم 26 تشرين الثاني 1804م وصل الملازم إيتون إلى الإسكددرية على متن إحدى السفن الأمريكية وبعد 70 يوماً مثقلة بالمفاوضات والرحلات الصحراوية المضنية نجح في لقاء أحمد القرمانلي سراً في أحد بيوت مدينة دمنهور التي كان يتواجد فيها الانكشارية الناقمين على والي مصر وفي تلك المقابلة منح أحمد القرمائلي إيتون رتبة ( مُشير) GENERAL وهي الرتبة التي اعتَرَفَت بها شرفياً فيما بعد الحكومة الأمريكية وظل يحملها إيتون لآخر عمره, وفي تلك الجلسة أيضاً اتفق الرجلان على أن يتوجهوا بجيش يعبر الصحراء لاحتلال درنة ثاني أكبر المدن في الولاية ومنها يتم الزحف نحو طرابلس عمل أحمد القرمانلي على حشد أنصاره في المنفى وعدد من المرتزقة من أحد عشر جنسية مختلفة وصل عددهم ثلاثمائة خيال من العرب وسبعين أوروبياً ووكيل بحار وضابط واحد وسبعة قناصين بحريين أي ما مجموعه ثلاثمائة وتسعة وسبعين رجل فقط رافقهم مائة وسبعة جمال لحمل تجهيزاتهم؛ وأرسل احمد بك إلى قائد الأسطول الأمريكي برسالة طلب فيها تزويده بمائة قطعة سلاح ومدفعين صغيرين ومائة بحار وقناص يلتحقون به عند وصوله درنة، وكان الملازم إيتون اتفق مع أحمد بك على تسديد ما قدمته بلاده من أموال بلغت زهاء عشرين ألف دولار عن طريق رهن الجزية التي تتقاضاها ولاية طرابلس من كل من السويد والدانمارك وجمهورية بتافيا بعد أن يتم له النصر . توجه أحمد بك القرمانلي والملازم أوباننن على رأس الجيش نحو درنة وقدمت سفن الأسطول البحري الأمريكي لأتباع احمد القرمائلي المؤن والبارود والسلاح بعد أنزالها في مرفاً جزيرة البمبة الواقعة على مسافة نحو ستين كيلو متر شرق مدينة درنة الساحلية في وقت كان الملازم إيتون بأمس الحاجة إلى تلك المؤن للسيطرة على الجيش الخليط من أجناس مختلفة والذي دبت فيه عدد من حالات التمرد والعصيان خلال الطريق الصحراوي المقفر, ومن البمبة واصل الجيش زحفه نحو مدينة درنة التي ما إن وصلوها حتى قام الملازم أوبائن بتقسيم الجيش إلى طابورين الأول بقيادة احمد بك والثاني بقيادة الملازم أوبانن الذي التحق به مائة جندي من رجال البحرية الأمريكية» وفي 24 نيسان 1805م ابتدا الهجوم على مدينة درنة وقامت ثلاث سفن أمريكية بقصف المدينة وأسكتت المدفعية فيهاء بعد ذلك أمر إيتون بفتح نار البنادق على المدافعين عن المدينة من جيش الوالي الذين لم يتمكنوا من الصمود بسبب تخاذل غالبية سكانها الذين اظهر قسم منهم ولاثهم لأحمد بك والقسم الأخر هرب مما اضطر جيش الوالي للانسحاب من درنة بعد زهاء الساعة والنصف.ودخلتها القوة المهاجمة وقام أوبانن برفع العلم الأمريكي على قلعتها وعمل على تأمين الاستحكامات في المدينة وتقوية أسوارهاء وأخذ يستلم التعزيزات من الأسطول الأمريكي الذي كان راسيا أمام الميناء .
بعد انسحاب جيش الوالي إلى طرابلس قام الوالي يوسف باشا بإعادة تنظيمه وتجهيزه بسرعة وأمره بالتوجه لتحرير درنة بإمرة قائد جيش الأيالة حسن بك الذي وصلها في 13 أيار 1805 وفرض عليها الحصار المشدد بدءٌ من 28 أيار وباشر الجيش بمهاجمة المدينة إلا أنه باء بالفشل بسبب مسانئدة مدفعية السفن الأمريكية للقوة المتحصنة داخل المدينة والتي لم تتمكن من مغادرتها لمطاردة جيش الوالي يوسف باشا الذي واصل هجماته عليها بين الحين والأخر فخروج تلك القوات من المدينة المحصنة ومطاردة جيش الأيالة إلى مناطق خارج مديات المدفعية في السفن وفي المدينة كان سيؤدي في الغالب إلى هزيمة محققة لذلك حافظت على مواقعها داخل المدينة التي لم تتمكن قوات يوسف باشا من اختراقها مما اضطر الوالي يوسف باشا للدخول في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة عدد من قناصل الدول الأوربية والذين وجدوا بعض اللين في مواقف الوالي بعد معارك درنة .
في صباح يوم 10حزيران1805 كان أحمد بك وجيشه يقاتلون لوحدهم جيش الوالي وأبلوا البلاء الحسن طيلة ساعات عدة ولم يشترك معهم أي جندي أمريكي إذ لم يكن يعلم بأن الملازم إيتون في ذلك اليوم قد تم إبلاغه عن طريق رسالة بعث بها قائد الأسطول الأمريكي (الكومودور بارون) بأن المفاوضات جارية بين حكومة بلاده وبين الوالي يوسف باشا لإنهاء الحرب وقد تم فعلاً إطلاق سراح الأسرى الأمريكان و في حالة إتمام الأمر وتوقيع معاهدة الصلح فأن كل تعاون مع أحمد بك يجب أن يتوقف وأن الاتفاقية المعقودة معه تعد لاغية من أساسها . جرت المفاوضات بين الطرفين بسلاسة وانتهت بالاتفاق على إيقاف الحرب بينهما والتوقيع على معاهدة سلام في 4 حزيران 1805م تضمنت عشرين بندا نص البند الأول فيها على تمتع الرعايا الأمريكبين بأفضلية على رعايا الدول الأجنبية الأخرى داخل الأيالة ونصت المادة الثانية على قيام حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تعويضات مالية قدرها ستين ألف دولار لقاء إطلاق سراح أسراها أما المواد الأخرى فقد نصت على تنظيم العلاقة بينهما في مجالات التعاون على صعيد الرحلات البحرية لسفن كلا الجانبين، واللجوء إلى الطرق السلمية بدلا عن الحرب لحل المشاكل التي قد تنشأ بينهما لاحقا . أما أحمد بك فلعله قد تجرع كأساً من المرارة لم يكن يحسب له أي حساب فبينما كان يقاتل بحماس لاسترجاع عرشه على الولاية وقطع في سبيل ذلك الشوط الطويل من المسير عبر الصحراء والقتال العنيف ليصدم عند عودته من معركته الأخيرة يوم 10 حزيران بموقف الحكومة الأمريكية بسحب كل تمويل عنه وإلغاء كل اتفاق أبرم معهاء ويبدو أنه أيقن في وقت متأخر أن تلك الدولة قد استخدمته كورقة ضغط ضد شقيقه والي طرابلس ليس أكثر فمتى ما حققت هدفها تخلت عنه وكان عليه أن يفطن لذلك عندما رفع الملازم أوبانن علم بلاده على أسوار درنة في إشارة لاحتلالها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ولو كان يعلم ما يكنه قائد الأسطول الأمريكي له لما كان تورط في تلك الحملة إذ جاء في رسالته إلى الملازم أوبائن التي استلمها يوم 11حزيران وصف لأحمد بك بأنه (أبله) وعد ذلك نقيصة مثلت حجر عثرة في سبيل تحقيق قضيته واستعادة عرشه المسلوب, و بعد أن انسحب الأسطول البحري الأمريكي أخذ معه أحمد بك وقلة ممن أختارهم تراوح عددهم قرابة خمسة عشر رجل فقط وترك الباقين من أفراد جيشه على الشاطئ يقذفونهم بالسباب والشتيمة وكانت معاناة أحمد بك أكثر قساوة بعد أن قرر قائد الأسطول الأمريكي صرف مائتي دولار شهرياً كأجور خدمة على سفن الأسطول له ولمرافقيه والذي كان يوزعها بينهم ويبقى له منها خمسة وأربعين دولار فقط ، وانقطعت عنه كل معونة أمريكية حال نزوله الأراضي المصرية .