أحاديث

أحاديث

احاديث 

……….  حديث التاريخ ……


التاريخ هو العمق الاستراتيجي، لمن يبتغى صناعة المجد فى الحاضر والمستقبل، فمن أراد فهم الحاضر، عليه أن يدرس الماضى.

 

وصفحات التاريخ القريب، تقدم لنا حقيقة شاخصة، مفادها أن الخائن مصيره السحق تحت الأحذية، وأن أول من يتنكر له هو من خان لأجله.

 

- الباندات الليبية 

 

 الباندات فى ليبيا، فهم مثال واضح لهؤلاء الخونة، وهم فرق غير نظامية من الخونة الليبيين، استعان بهم الطليان ليُحكموا قبضتهم على ليبيا، حيث التحق الآلاف منهم فى جيش الاستعمار الإيطالى فى ليبيا ، وقاتلوا مع المستعمر ضد الليبيين والمجاهدين، ومنهم من كان يسكر مع الطليان، ومنهم من اعتنق المسيحية تقربًا من المستعمر، ومنهم من أفتى بواجب الطاعة لموسلينى ولى أمر المسلمين فى ليبيا.

واختصارًا لوصفهم كتب عنهم الكاتب الليبى الدكتور فتحي العكاري فقال: «يجب أن نعترف بأن الليبيين خذلوا عمر المختار والمجاهدين بصفة عامة، فبينما لا يصل أعلى عدد لمن كان حوله من الرجال إلى ألف رجل فى أحسن تقدير، تطوع فى الجيش الإيطالى عشرات الآلاف من الليبيين ومن منطقته خاصة ، بل أصيب عمر المختار خلال اشتباك مع كتيبة من المجندين الليبيين، فى الوقت الذى دلَّ أحدُهم الإيطاليين عليه حينما هتف «سيدى عمر»، أما من وضع حبل المشنقة فى عنق المختار فلم يكن إيطاليًّا، بل ليبيًّا  كان يعيش فى بنغازى.

 

وفى معركة العلمين الشهيرة، استسلم خمسون ألف مجند ليبى كانوا يخدمون تحت العلم الإيطالى، ويمكن القول إن عدد المجندين من أصل ليبى فى تلك الفترة داخل باقى المناطق الليبية لا يقل عن مائة ألف مجند، وليس هذا فحسب، فكثير من المدنيين الليبيين خدموا إيطاليا بإخلاص لدرجة أن عددًا منهم نال الأوسمة والنياشين والألقاب، ويحضرنى هنا على سبيل المثال الشاعر أحمد قنابة، الذى ترجم أناشيد الفاشيست إلى العربية لكى يتغنى بها تلاميذ المدارس كل صباح، ومن أراد المزيد فعليه الرجوع إلى قوائم الشرف الإيطالية وقوائم الضحايا وقوائم المجندين فى الجيش الإيطالى».

 

وجدير بالذكر أن الجيش الإيطالي، شكل هذه الميليشيات وجهزها، ووضع على رأس قيادتها خونة ليبيين أظهروا استعدادًا وولاءً تامًّا له، من خلال محاربة أى مقاومة، وكان أشهرها باندة عاكف امسيك الغريانى ورمضان القريتلى  وباندة السواري وغيرها الكثير.

 

كان ظاهر مهمة هذه الباندات هو البحث عن الأسلحة وكان باطنها العذاب والانتقام من سكان الاقليم، وعقابًا لهم على ما فعلوه بالإيطاليين والخونة الليبيين فى فترة انسحابهم، وفى سبيل تحقيق تلك المهام منحها الإيطاليون تفويضًا مطلقًا فيما تفعله، دون رادع أو عقاب، فارتكبت أعمالًا وحشية يندى لها الجبين، من تدنيس للحرمات والأعراض وسلب ونهب وقتل واعتقال وابتزاز للأموال عن طريق التلويح بتهمة إخفاء أسلحة أو التهديد بالاتهام بالعمالة للإنجليز أو أية تهمة أخرى، وظلت هكذا تعيث فسادًا فى البلاد من أقصاها إلى أقصاها. لدرجة أن همجية بعضها فاقت وحشية الإيطاليين أنفسهم، وليس ببعيد عن ذاكرتنا ما فعله المدعو " ابو سويط "من تعذيب لليبيين المعتقلين بالعقيلة .

إلى أن حقق الجيش الثامن البريطانى بقيادة «مونتغومرى» انتصاره الكبير فى معركة العلمين فى نوفمبر 1942، واضطر رومل إلى الانسحاب بفيلقه الإفريقى الممزق، والتقهقر غربًا على نحو متواصل، تحت ضربات الجيش الثامن، حتى هُزمت إيطاليا وخرجت من ليبيا دون أن تكفل لهؤلاء الخونة أية حماية، فتركتهم ليلاقوا حتفهم بيد البريطانيين والليبيين.

 

وهكذا ومن واقع التجربة تولد الحقيقة أنه لا مكان للخونة إلا مزابل التاريخ، ذلك لأن الخيانة ميتة حقيرة لا تُنسى، لاسيما أن جميع القوى الاستعمارية لا تعرف إلا مصالحها، علاقاتها مع عملائها علاقة نفعية تبررها تلك المصالح، وبمجرد تحقيقها، تتنصل منهم وتتركهم عُرضة للانتقام والتنكيل.

 

إن واقعنا يشهد حربًا بالوكالة ضد بلادنا يُستخدم فيها مرتزقة وجماعات إرهابية كعرائس ماريونت، تُمسك بخيوطها دول تضمر العداء للوطن سرًّا وعلانية، ورغم كل هذه التحديات الكفيلة بإلحاق الأذى بكل من يعيش على تراب هذا الوطن، نجد أصواتًا عبر فضائيات مأجورة، وصفحات مشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تُهلل للغزو التركى فى ليبيا، وتتغنى بديمقراطية قطر واستثمارها فى البشر، وتتاجر بما ستلحقه بنا البنك الدولي  من أضرار بسبب مافيات الاموال الفسدة ، والمؤسف أن المُنفذ لتلك المخططات، هم من يسمون انفسهم بأبناء الوطن .

 

إن مثل هؤلاء ممن باعوا وطنهم كالذى يسرق من مال أبيه ليُطعم اللصوص، فلا أبوه يُسامحه ولا اللص يُكافئه، سيبيعهم أسيادهم ممن استعملوهم فى أول سوق، وبأقل الأسعار، ونهايتهم كنهاية الباندات فى ليبيا، 

إما سيكونون ضحايا لعقاب وانتقام أسطورى ، أو عبيدًا على أرض غريبة، يتجرعون كأس المذلة فى حياتهم، وفى مماتهم تبحث جثثهم عن مدفن فتلفظهم الأرض، لتتعفن على قارعة الطريق، بينما يبقى الوطن حرًّا أبيًّا قادرًا على الصمود، ومواجهة التحدي، يبنيه اجتماع السواعد من ابناءه البررة والاحرار في صف مرصوص البنيان تابت العزم .


كل عام وانتم بخير 

https://albunyanalmarsus.com