الصوفية وطرقها في ليبيا
الصوفية وطرقها في ليبيا :
شهدت الحركة الصوفية في ليبيا ، إبان الإحتلال العثماني ، إتساعة ونفوذا في طول البلاد وعرضها حتى أصبح لكل قرية تقريبا شيخها ووليها الصوفي : تتبرك به وتقدم له النذور وتخصه بالزيارات وإقامة الحفلات الدينية عند ضريحه ، وذلك في اعتقادي يعود إلى عدة أسباب ،
أولا ..شمول وتعمق حالات الفقر والتخلف ، مما هيا المناخ المناسب لمثل هذه الحركات الدينية لتنتشر وتتسع ، فقد كان الإنسان العربي الليبي قد وجد في الحركات الصوفية الملاذ الوحيد ليغرق فيها همومه ومشاكله ، فاستغل ناشرو الطرق الصوفية هذا الوضع البائس فأكثروا من التحدث عن الفقراء والمحرومين ، ملحين في مواعظهم وأذكارهم وأورادهم على أن الفقر والجهل والظلم نعمة ، فالعبد المقهور في دنياه ستكون الجنة مأواه لا محالة ، وأن الشيخ الولي هو الدليل والمرشد لكل تائه ليأخذ بيده ويوصله إلى أبواب النعيم الأخروي ، حتى بات في يقين الكثير من الناس أن كل من ليس له شيخ ، يرتبط به وينصاع لأوامره وتعليماته ويحظى ببركاته ، فإنه "مد خاسر في الدنيا والآخرة ..
والسبب الثاني أن الحكام العثمانيين وجدوا في الصوفية وسيلة لبسط سيطرتهم واضعاف المقاومة الشعبية ضد حكمهم خصوصا بعد ابتعاد الصوفية عن الأسس المثالية ، وابتعادها عن الأسس العقائدية والفكرية والفلسفية الأولية التي انطلق منها بناة هذه الحركة في القرن الثاني والثالث للهجرة و في الوقت الذي استباح فيه كبار الأتراك لأنفسهم ولحاشيتهم العيش عيشة رغدة متخمة بمظاهر الترف والبذخ واللهو، وقد تماشى مع أهوائهم ووافق سياستهم ما نقل عن مؤسس الطريقة القادرية ، الشيخ عبد القادر الجيلاني قوله : (أيها الفقير إياك إياك أن تنازع محظوظأ ، فإنه يسلم ويرتفع وأنت تهلك وتنحط وتنزل وتفتضح ، فكيف تغير حظك بمنازعته)
وأما العامل الثالث في انتشار الطرق الصوفية هو أن الحكام الأتراك أنفسهم لم يكن مستواهم الثقافي أعلى من المستوى الذي كان عليه الناس في ليبيا ، فكثير من تولى حكم البلاد منهم أو من عساكرهم كانوا أميين ، فكانوا في قرارة أنفسهم يهابون شيوخ الصوفية الموصوفين بأنهم أولياء الله ، ويخافون غضبهم عليهم وكثيرا ما كان هؤلاء الحكام يلجؤون إلى الشيوخ والمرابطين في ساعات ضعفهم ، ليستمدوا منهم البركة ورضى الخالق ، ويسألونهم قراءة ما يخبيء لهم القدر في المستقبل ، وأن يدعوا لهم ليوفقهم الله ويكشف عنهم الضر ، لذا عملوا على تقريب وتعظيم أولئك الشيوخ الذين ازدادوا حظوة ومكانة في المجتمع ، وكثر عددهم وتنوعت طرقهم وزواياهم ، كما استغل عموم الشعب المغلوب على أمره خوف الحاكم من الشيوخ ، فجعلوهم ملاذهم وملجأهم ، هربا من بطش الحكام وملاحقة جنودهم القساة.
وقد تمكن أولئك الصوفيون في الواقع في كثير من الأحيان حماية الناس والدفاع عنهم بجرأة مشهودة .