عروبة البربر

عروبة البربر

عروبة البربر
نقدِّم 23 دليلا قاطعا عن عروبة البربر!
(من العلماء المؤرخين العرب و الغربيين)
في سياق التأكيد على عروبة كل الأرض العربية،
و على حقيقة الوجود العربي، من العراق، و بلاد الشام، إلى مصر، و السودان، إلى بلدان المغرب العربي.
و إذ نقدِّم هنا صفحات موثَّقة من عروبة البربر القديمة، فلأن التاريخ القديم
للمغرب العربي يتعرَّض للتشكيك،
و الطعن بعروبته أكثر من غيره،
أكد العديد من الدارِسون المُنصِفون للبربر،
أن القبائل البربرية، مُنحدِرة من الحميريّين سُكّان اليمن.
فقد روي عن مؤرِّخي العرب و الغربيين، من غزو الحميريّين لبلاد المغرب، في أواخر الألف الثالثة، و تخْليفهم بها، عند رجوعهم جماعات منهم، وفيرة العدد هُم أصل بعض قبائله.
و نذكر منها:
1-يقول المؤرخ اليمني و العلامة الموسوعي
"محمد بن الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني"،
الذي أشار إلى ذلك في كتابِهِ الحافل، المُسمّى بالإكليل،
فإنه لمّا ذَكر قبيلة لمتونة، التي منها الأسرة الملكيَّة المرابِطة بالمغرب، قال إنها فخذ من صنهاجة،
و إن صنهاجة من ولد عبد شمس بن وائل بن حِمْير، و إن الملك "أفريقيش" بن أبرهة، لمّا ملك "حِمْيَر" خرج غازياً نحو بلاد المغرب، و أرض أفريقية، فلمّا توغَّل بالمغرب بنى مدينة أفريقية؛
هي مشتقة من اسمه؛ و خَلف بها من قبائل حِمْيَر و زعمائها صنهاجة، ليردُّوا (كنعان) على شاكلتهم، و يأخذوا خراجهم، و يُدبِّروا أمرهم. و يقال إن أفريقيش هو الذي سمَّي سكان المغرب بربراً، فإنه لما غزاه بقومه الحِِِمْيريين، و سمع رطانة سُكّانهُ، قال ما أكثر بربرتهم، فسُمّوا بربراً، و البربرة في اللغة اللَّغطُ، و اختلاط أصوات غير مفهومه .
2- قال "نشوان الحميري": "الملك أفريقيش بن ذي المنار بن الرائش، غزا نحو المغرب عن يمين مسير أبيه، حتى انتهى إلى طنجة من أرض المغرب، فرأى بلاداً كثيرة الخير، قليلة الأهل، فأمر ببناء مدينة إفريقية، و أسكن فيها قبائل من قومِهِ، و هم كُتامة، و عُهامة، و زناتة، و لُواتة، و صُنهاجة، قبائل ضخمة في المغرب من حِمْيِر، و نقل البربر (كنعان)، و هم جيل من الناس، بقيَّة ممَّن قتلهم يوشع بن نون، هَربت منهم طائفة إلى السواحل، ثم رجعوا بعد ذلك إليها، فقتل إفريقيش منهم في غزوته من قاتل، و نقل بقيتهم، فأسكنهم بحيث هم من بلاد البربر، و في ذلك يقول: بربرت كنعان لما ساقها من بلادِ المُلك للعيشِ اللجب)
3- أما "ابن عبد الحكم"؛ فيقول: "و كان البربر (كنعان) بفلسطين، و كان ملكهم جالوت، فلّما قتله داود عليه السلام، خرج البربر متوجِّهين إلى المغرب، حتى انتهوا إلى لوبية، و مراقية، و هما كورتان من كور مصر الغربية، مما يشرب من ماء السماء، و لا ينالهما النيل. فتفرَّقوا هنالك، فتقدَّمت زناتة، و مغلية إلى المغرب، و سكنوا الجبال، و تقدَّمت لواتة، فسكنت أرض انطابلس و هي برقة، و تفرقت في هذا المغرب و انتشروا فيه حتى بلغوا السوس.و نزلت هوارة مدينة لبدة. و نزلت نفوسة إلى مدينة سبرة..
4- قال "الذهبي"، البربر، و بربر من وَلد قيذار بن إسماعيل؛"إِنَّ دَار البَرْبَر كَانَتْ فِلَسْطِيْن، وَ مَلِكُهم هُوَ جَالُوت، فَلَمَّا قتله نَبِيُّ الله دَاوُد؛ جلتِ البَرْبَرُ إِلَى المَغْرِب، وَ انتشرُوا إِلَى السوس الأَقْصَى، فَطُول أَرَاضيهم نَحْوٌ مِنْ أَلف فَرسخ" .
5- و قال أيضا: "فَأَوّل مَنْ كَانَ فِيهِم الملك مِنَ البَرْبَر صِنْهَاجَةُ، ثُمَّ كُتَامَة، ثُمَّ لَمْتُونَة، ثُمَّ مصْمودَة، ثُمَّ زنَاتَة. وَ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ دُرَيْد أَنَّ كُتَامَة، وَ لَمْتُونَة، وَ هَوَّارَة مِنْ حِمِيْر، وَ مَنْ سِوَاهُم، فَمِنَ البَرْبَر، وَ بربر مِنْ وَلد قيذَار بن إِسْمَاعِيْلَ".
6- قال "الجوهَرِيُّ": و إن شئتَ حَذَفْتَها، و هم أي أكثرُ قبائلِهم بالمَغْرِبِ في الجِبال مِن سُوسَ، و غيرِهَا، متفرِّقَةٌ في أطرافِها، و هم زَنَانَةُ، و هَوّارة، و صِنْهَاجَةَ، و نبزةُ، و كُتَامةُ، و لَوِاتهَ، و مديونة، و شباته، و كانوا كلهم بفِلَسْطِينَ مع جالُوتَ، فلما قُتِلَ تَفَرَّقُوا ،كذا الدُّرَرِ الكَامِنَة للحافظِ ابنِ حَجَر.
7-قال "ابن خلكان"، في مَعرض ذِكر أصل الملثمين [الطوارق]: "أصل هؤلاء القوم من حمير بن سبأ، و هم أصحاب خيل، و إبل، و شاة، و يسكنون الصحارى الجنوبية، و ينتَقِلون من ماء إلى ماء كالعرب، و بيوتهم من الشعر، و الوبر.
8-و قال لسان اليمن "الهمداني"، في نَسَبِ قبائل الهميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأكبر، ما يلي: "و أما مُرّة بن عبد شمس فولده ـ كما يُقال و الله أعلم ـ كتامة، و عهامة، و صنهاجة، و لواتة، و زنيت، و هو زناتة. و هُم رؤساء البربر، نُقِلوا مع سيِّدهم كنيع بن يزيد، يوم أشْخَصَه إفريقيش، إلى إفريقية، و صَرَف المُنتاب عنها".
9-فأغلب المؤرِّخين العرب يرون: "إن البربر قدموا من الجزيرة العربية، في زمن لا يقِل عن ثلاثين قرناً ق.م.، و أن الفينيقيين اختلطوا بالبربر، على طول السواحل الأفريقية المغربية، في القرن الثاني عشر ق.م.، و لمّا كان الفينيقيون عرباً من كنعان (البربر)، فقد اختلطوا و الذين هم عَرب من القحطانيَّة".
10- يقول الكاتب الفرنسي، "فلوريان": "التطابُق الكامل بين العرب و البربر، فيما يلي: أصل مشترك، لغة واحدة، عواطف واحدة، كل شيء يُساهِم في ربطها ربطاً متينا".
11- يقول "عبد الرحمن باغي": "علماء الجيولوجيا يعتبرون الجزيرة العربية، امتداداً طبيعياً لأفريقيا ، لا يفصلها عنها سوى منبطح وادي النيل، و منخفَض البحر الأحمر".
12- يؤكِّد هذا، صِحَّة كون انتقال البربر من الجزيرة العربية، إلى إفريقيا، في تلك الفترة، لعدم وجود عوارِض لتلك الهِجرة. إن هذا الكلام لا ينفي وجود اختلاف في الأقوام، التي شكَّلت البربر، و لكن هذا الاختلاف، لا يخرج عن كونِهِ مُشابه للاختلاف، الموجود بين سكان جزيرة العرب، شمالها، و جنوبها، و ما يؤكِّد هذا الكلام، ما قاله "ابن خلدون" الذي يرى في البربر، ما يلي: "البربر قبائل شتّى، من حمير، و مضر، و لقيط، و العمالقة كنعان، و قريش؛ تلاقوا بالشام، و لغطوا، فسمّاهم إفريقش بالبربر، لكثرة كلامهم...".
13-تُعتبر هجرة الفينيقيين إلى المغرب، واحدة من هذه الهجرات المُتأخِّرة للأقوام العربية، من الجزيرة العربية، التي سُبِقت بهجرات سابقة لها، لم يُسجِّلها التاريخ، كما سجَّل هجرة الفينيقيين. و تَنقُّل الفينيقيين، من الجزيرة العربية، إلى بلاد الشام، و من بلاد الشام، إلى المغرب العربي، جاء عفوياً، ليؤكِّد تبادُل هذا المدْ البشري، في هذا الحوض الحضاري الكبير".
فمحرِّرو (مادة الجزائر)، في الموسوعة الفرنسية ( يونيفيرساليسUNIVERSALIS)؛ يقولون: "بدأ تاريخ المغرب الأوسط، بوصولِ الفينيقيّين، الذين سجَّلوا حضارتهم، كأول حضارة بالمدن، حيث تَركت بها آثاراً مكتوبة، فأسَّسوا مُبكِّراً، في القرون الأخيرة، للألف الثانية قبل الميلاد، مراكز تجارية. و تطوَّر الفينيقيون إلى قرطاجنيين، و لم يستعمروا داخل البلاد، و لكنهم طوَّروا هذه المدن الساحلية التجارية، و التي استمرَّت قائمة، حتى بعد تدمير قرطاج، تحمِل تسميات ساميَّة، كمدن راسكورو (دلس)، وروس كاد (سكيكدة)، و روس قونية (ماتيفون). و كان الرؤساء البربر الكنعانيين، المسيطرون على داخل البلاد حلفاء، و زبائن تجاريين للقرطاجنيين، يمدُّونهم بفِرق عسكرية، و بخاصة بالفرسان النوميديّين المشهورين، و بالفِيَلة الحربية، و الجنود. و انتشرت اللُغة البونيقيَّة (اللهجة الفينيقية الكنعانية السائدة في شمال أفريقيا – الناسخ)، و الحضارة الفينيقيَّة بعمق في البلاد، و ظهرت مدناً للأهالي، و أضرِحة، و مزارات دينية، بنُيت، أحياناً، من طرف فَنِّيين قرطاجنيين. و هكذا فقد كان البربر تلاميذ للفينيقيين، الذين علَّموهم أساليب زراعية، و صناعية، كصناعة الزيت، و النبيذ، و صناعة الأدوات من النحاس؛ و علَّموهم على الخصوص ديانتهم. و استمر البربر يعبدون آلهة قرطاج، حتى أثناء الاحتلال الروماني، لدرجة أن بعض المؤرِّخين، يرون أن المسيحية، ثم الإسلام، لم يُقبِلا من البربر، بهذه السهولة، إلا بسبب دخول هذه الديانة القرطاجنية المغرب، التي هي ديانة ساميَّة. و استمرت اللغة البونيقيَّة متداولة، حتى بعد القرن الثالث الميلادي، حيث لَعبت دور الوصلة إلى اللغة العربية".
14- لقد خرج البربر الكنعان من العصر الحجري الحديث، و دخلوا التاريخ، و العصر الحضاري عن طريق إخوانهم الفينيقيين. فالمؤرِّخ الفرنسي المتخصِّص في الدراسات البربرية، "رونيه باسيه" (R. Basset)، يورِد حقائق تؤكِّد ذلك، فيقول: "إن اللُغة البونيقيَّة، لم تختف من المغرب، إلا بعد دخول العرب. و معنى هذا، أن هذه اللغة بَقِيت قائمة، هذه المُدَّة بالمغرب، لتِسعة عشر قرناً، و هو أمر عظيم. لقد استمر تأثير مدينة قرطاج قائماً، حتى بعد تدميرها، فقد تحوَّلت (سيرتا)، تحت حكم الملوك النوميديّين البربر، إلى مركز بونيقي، بل أن اسم سيرتا، هو (قرطا)، أي المدينة بالبونيقيَّة. لقد جلب القرطاجنيون الزراعةَ.
البربر كانوا يدفنونها في أول خط للحرث، تفاؤلاً بأن سنابل الحبَّة المبذورة، ستأتي كثيرة، بعدد حبّات الرُمّانة. وهي عادة مستمدَّة من ثقافة قرطاج، فالرُمّانة لديهم رمز للخصوبة. و تُعتبر قرطاج مُربِّية للبربر، فقد علَّمتهم كيفية الاعتناء بالزيتونة، و كيفيَّة استخراج الزيت منها. و يفصل "غزيل" ((Gsell هذه المسألة لغوياً؛ فيقول: [إن كلمة أزمور بالبربرية، تعني الزيتونة الوحشيَّة، و هو الاسم البربري لهذه الشجرة. أما إذا تكلَّموا عن الزيتونة الملقَّمة، أطلقوا عليها الاسم السامي (الزيتونة)، و على سائلها اسم الزيت...].كما عَلَّمَ الفينيقيون البربر زراعة التينة، و زراعة الكرمة، و الرمّانة، و علَّموهم، عمومًا، فن زراعة الشجر المُثمر. و قد تبيَّن لنا الآن، أن البربر كانوا على اتِّصال بالفينيقيين منذ ما قبل التاريخ. و جلب الفينيقيون الصناعات القابِلة للتصدير، كالسيراميك، و صناعة المعادن، و النسيج، و المجوهرات: كالخلاخيل، و التيجان، و الخلالات (المشابِك)، التي تصنع في صورة كف مبسوطة الأصابِع. و التشابُه واضِح، بين مجوهرات القبائل (بالجزائر)، و السوس (بالمغرب)، و بين المجوهرات القرطاجية. أما ديانة قرطاج فهي التي كانت مُنتشرة بالمغرب، كالإله (بعل عمون)، و الإلهة (تانيت)، و كان هذا الإله منتشراً بالعالم العربي كلّه، الأمر الذي أوردَ اسمه القرآن، بالآية: "أتدعون بعلا و تذرون أحسن الخالقين"؛ لدرجة أن انتشار الإسلام بشمال أفريقي عائد إلى ما فعلته قرطاج في هذه البلاد.
أما عن اللُغة، فقد جعل الملوك النوميديون البربر، في العهود الأخيرة، من البونيقية، لغتهم الرسمية، لدرجة أن الناس، في بلاد البربر، و في المدن على الخصوص، يتحدَّثون البونيقيَّة، أكثر من البربريَّة، و حتى في العهد الروماني. إن المناطق التي انتشرت فيها البونيقيَّة أكثر، هي التي تعرَّبت بالكامل. و البونيقيَّة لُغة قريبة من العربية، التي ما إن دخلت المغرب، حتى خلَّفت البونيقيَّة، و بسهولة، كما أن آلهة قرطاج، هي التي مهَّدت لانتصار الإسلام، في هذه البلاد، و اللُغة القرطاجنية، عبَّدت الطريق للعربية. و خُلاصة القول، أن قرطاج لم تجلب سوى الخير للبربر، فقد علَّمتهم غرس الأشجار المثمِرة، و ربَّتهم روحياً، و دينياً. و من الغريب أن هذا التأثير تعمَّق أكثر، بعد تدمير قرطاج. لقد دُمَّرت روما أسوار قرطاج، لكنها فشلت في تدمير تأثيرها في نفوس البربر، بل إنه كلما تأسَّس احتلال روما للمغرب، كلما انتشرت، و تعمَّقت في نفوس البربر لُغة قرطاج، و عقائدها. و هل يختلف الوضع الآن عنه آنذاك؟!" .
15-و يؤكِّد مؤرِّخ آخر فرنسي، هو "سانتاس" P. CINTAS) )؛ فيقول: "لقد بيَّنت الكتابات البونيقيَّة المكتَشَفَة بالمغرب، و التي تحمِل تاريخ 162 و 147 قبل الميلاد (أي تحت حكم ماسينيا)، مدى ارتباط الأهالي بقرطاج دينياً، من خلال عبادتهم لبعل عمون، الإله القرطاجي، و هذا يؤكِّد السيطرة المستديمة للديانة القرطاجية، على السكان المحلِّيين.
أريد التحدُث عن استمرار البونيقيَّة، فقد بقِيت منتشرة بالمغرب، بعد تدمير قرطاجن و في العهد الروماني، و حتى بعد القديس أوغسطين، الذي ذَكر مراراً أن السكان الذين كانوا يحيطون به، يتكلَّمون البونيقيَّة. إن اللُّغة البونيقيَّة استمرت بين بعض البربر، كلُغة ثقافة. بل أن الدوناتيَّة مقدّمة لإلغاء الإسلام للمسيحية، و للثقافة الرومانية بالمغرب العربي .
16- فحسب رواية "بروكوبيوس" (Procope)، أحدث احتلال يوشع بن نون للأرض الموعودة، رحيل الأقوام الذين كانوا يقطنون الشاطئ. و بعد أن حاول هؤلاء الاستقرار في مصر، و وجدوها مزدحمة بالسكان، توجَّهوا نحو ليبيا التي احتلوها حتى أعمدة هرقل (مضيق جبل طارق)، و أسَّسوا عدداً كبيراً من المدن. يؤكِّد "بروكوبيوس"، و قد بَقِيَ فيها خلفهم، و مازالوا يتكلَّمون لغة الفينيقيين، حتى اليوم. و قد شيَّدوا، أيضاً، حصناً في نوميديا، في المكان الذي ترتفع فيه مدينة تيجيسيس (Tigisis). و هناك، بالقرب من العين الكبيرة، تنتصِب مسلَّتان من الحجر الأبيض، نُقش عليهما بحروف فينيقية، و بلغة الفينيقيين، ما معناه: نحن الذين هربنا بعيداً، من أمام الشرير يوشع بن نون.
تستند هذه الرواية، كذلك، على بيِّنة أخرى، نجد أثرها، قبل ذلك بقرن، في رسالة للقديس "أوغسطين" (Saint Augustin)؛ جاء فيها: "إذا سألتم فلاحينا من هم: يجيبون بالبونيقية أنهم كنعانيون.
17-و يذهب علماء كثيرون، مثل "أ. دى فيتا" (A.di Vitta)، إلى تفسير رواية "بروكوبيوس" (Procope)، بالذكرى الغامضة لأقدم تغلغُل فينيقي في الغرب، و كان سابقاً لتأسيس قرطاج .
18- يَذكر المؤرِّخ الفرنسي "رينان"(E. RENAN): "أن البربر اعتنقوا الإسلام بسهوله، لأنهم كانوا يعرفون البونيقيَّة".
19- و يقول "محمد شفيق"، من المغرب الأقصى؛ و هو متعصِّب للبربرية: "كتب المؤرِّخون العرب، و جزموا بأن البربر من أصل يماني، من العرب العاربة، و تكمُن فكرة التأكيد، اليوم، على القَرابة القديمة المحتمَلة، بين الأمازيغيين، و اليمانيين، في ثلاث قرائن: أولاً: أن عددًا لا بأس به من أسماء الأماكن، على الطريق الذي يمتد من المغرب الكبير، و اليمن، لها صِيغ أمازيغية واضحة. منها في صعيد مصر (أبنو، أسيوط)، و إيخيم، و تيما، في جبل حوران، في سوريا، و تيما في شمال السعودية، و تاركما، و أتبار، و تيمرايين في السودان، و أكسوم، بأسمرا، و أكولا، و أكوؤدات (أكوؤضاد )، في أريتريا، و جزيرة أنتوفاش، في اليمن. ثانياً: لقد عثَرت على عدد من الألفاظ العربية التي قال بشأنها صاحب لسان العرب، أنها حميريَّة، أو يمانيَّة، و هي الألفاظ التي لها وجود في الأمازيغية؛ إما بمدلولها الحميري، أو بمدلول مُعاكس (الأضداد) - [درج العرب القدماء على وصف الأشياء بأضدادها – الناسخ]، ثالثا : بين حروف التيفيناغ القديمة، و منها التوارقيَّة، و بين حروف الحميريين (الأبجدية الحميريَّة – المسند) شَبَه ملحوظ" .
20- يقول "محمد شفيق": "... تسمى هذه الحروف تيفيناغ، و لقد أُوِّلَتْ هذه التسمية تأويلات مختلفة، أسرعها إلى الذهن هو أن الكلمة مشتقَّة من 'فينيق، فينيقيا'، و ما إلى ذلك. قد يُطابق ذلك أصل هذه التسمِية، و لكن المحقَّق، هو أن الكتابة الأمازيغية غير منقولة عنها، بل رجَح الاعتقاد بأنها، و الفينيقية، تنتمِيان إلى نماذج، جد قديمة، لها علاقة بالحروف التي اكتُشِفَتْ، في جنوبي الجزيرة العربية" .
21- يقول أيضًا:"بين حروف « تيفيناغ »، القديمة منها و التواركَية، و بين حروف الحميريين، شَبَه ملحوظ في الأشكال، لكنها لا تتقابل في تأدِية الأصوات، إلا في حالتيْن اثنتيْن، بتجاوُز في التدقيق" .
22- و يؤكِّد المؤرِّخون، أن مدينة سوسة بتونس، بناها العرب القادمونَ من جنوبِ الجزيرة العربية، قبل أربعة آلاف سنة، و أعطوها اسم (حضرموت). و توجد أسماء باليمن متطابِقة مع أسماء لقبائل بربريَّة، كالأشلوح؛ اسم قرية، و قبيلة باليمن، و الشلوح تجمُّع كبير للقبائل البربرية بالمغرب الأقصى. و الأكنوس، عشيرة من بني مهاجر باليمن، و مكناسة بالمغرب.
23- يشير "عبد الوهاب بن منصور"، عضو أكاديميَّة المملكة المغربيَّة، في دراسته القيِّمة "دلالة المعمار اليمني على عروبة قبائل بربرية"، إلى أن العلماء المحدِّثين، عندما أخضعوا أصل البربر، أو أصولهم للمقاييس العلميَّة الخاصة بهم، كَلَون البشرة، و نوع الشَعر، و شكل الجمجمة، و بنية الجسم، مضافة إليها اللُغة، و الموسيقا، و المعمار، و العادات، و المعتقدات، وجدوا بيْن بعض قبائل البربر، و قبائل العرب، في اليمن، و حضرموت، شبهاً كبيراً، مالوا معه إلى تصديق ما يروِيه كثير من نسّابة العرب، و البربر، و مؤرِّخيهم، عن عُروبة الأرومة البربرية، فشكْل الإنسان في بعض القبائل البربرية، شديد الشبه بشكْل الإنسان العربي، في اليمن، و حضرموت؛ كما أن الشبَه قوي بين اللهجات البربرية، و بين اللغة العربية، من حيث الاشتقاق، و تصريف الكلمات، و وجود حروف الحلْق مجتمعة، و هي لا تجتمِع إلا في اللُغات الساميَّة [الجزريَّة]، و يشتد على الخصوص بين اللهجات البربرية، و بين لغة المهرة، في غرب سلطنة عُمان.
و مثل هذا التشابه يوجد، أيضًا، في الموسيقا، فالرنّات، و الألحان، في موسيقا الجنوبي العربي، و أغانيه، و كذلك التصفيق الرتيب، الُمصاحب بأيدي، تشبه كلها الرنّات، و الألحان، في موسيقا، و أغاني القبائل البربرية، بالجنوب المغربي، و كذلك طريقه الأداء، و الإنشاد، و قد دَرس كل ذلك، العالِم الألماني، "كارل ولهم لخمان" (1793ـ1851 )، دراسة مُستفيضة، و الموسيقار النمساوي، "فون هورن جوستل" (1877ـ1935)، و تَفطَّنَ له الرحّالة الألماني، "هانز هولفريتز"، و أشار إليه بإسهاب، في كتابه الموسوم اليمن من الباب الخلْفي.
و لكن الذي لفت نظر الباحثين، و الدارسين الُمعاصرين، الذين يعتمدون على الأدِلَّة العلميَّة، و المقاييس العقليَّة، و استدلّوا به على عروبة بعض قبائل البربر، في شمال أفريقيا، هو تشابُه المعمار اليمني، و المعمار البربري، و تطبيقها؛ فقد قارنو بين المباني العالِيَة، الموجودة في جنوب الجزيرة العربية ،و بين المباني العالية في قلب الحضارة البربرية، بأعالي جبال الأطلس، فلم يجدوا بينهما فرقاً؛ فالمباني في الجهتيْن معاً، تَحمل المظاهر المعماريَّة، و السمَّات الهندسيَّة نفسها؛ كالنتوءات، والأنابيب الخشبيَّة، لصرف مياه الأمطار، و الكوات، و الثقوب؛ حتى إنك لو سَكنت، برهة من الزمان، قلعة من قِلاع جبال تعُز، و صعدة، أو صرحاً شامخاً من صروحها؛ ثم انتقلت فجأة إلى قلعة من قِلاع أمزميز، و تلوات، بجبال الأطلس الكبير، بالمملكة المغربية؛ لتخيَّلْت أنك لا تزال في مسكنك الأول؛ الشيء الذي يؤكِّد الاعتقاد بصِحَّة ما يُردِّدهُ كثير من مؤرِّخي العرب، و البربر، و نسّابيهم، من انحدار البربر، أو بعض من قبائلهم من أرحام يمنيَّة!.
❗المراجع:
([1]) مجلَّة دراسات يمنيَّة (صنعاء)، عبد الوهاب بن منصور، دلالة المعمار اليمني على عروبة قبائل
بربرية، العدد الثامن و الثلاثون، مجلَّة فصليَّة تصدر عن مركز الدراسات و البحوث اليمني، أكتوبر
ـ نوفمبر ـ ديسمبر، 1989، ص (115-116)
([3]) (الحميري) نشوان، خلاصة السيرة الجامعة لعجائب أخبار الملوك التبابعة، تحقيق: علي بن اسماعيل
المؤيد و اسماعيل بن احمد الجرافي، ط2، بيروت، دار العودة، 1978، ص71.
([4]) (ابن عبد الحكم) عبد الرحمن بن عبد الله، فتوح مصر و المغرب، الجزء الأول، تحقيق: عبد المنعم
عامر، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1999، ص229.
([5]) (الذَهَبي) شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، الجزء الثامن عشر، تحقيق:
مجموعة محققين بإشراف شعيب الأرناؤوط، بدون بلد نشر، مؤسسة الرسالة، ص429.
([6]) المصدر نفسه، ص429.
([7]) (الزَّبيدي) محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني أبو الفيض، تاج العروس من جواهر القاموس،
الجزء الأول،تحقيق: مجموعة من المحقِّقين، بدون بلد نشر، دار الهداية، ص(2502-2503).
([9]) (بن خلكان) أبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان و أنباء الزمان،
الجزء السابع، تحقيق: إحسان عباس، بدون بلد نشر، دار الثقافة، 1968، ص 128.
([11]) (الهمداني) الحسن بن أحمد بن يعقوب، الأكليل، الجزء الثاني، تحقيق: محمد بن على الأكوع
الحوالي، ط 3، بيروت، منشورات المدينة، 1986، ص94.
([12]) (ابن خلدون) عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون، بيروت، دار الجيل،
بدون تاريخ نشر، ص106.
([13]) (ابن خلدون) عبد الرحمن بن محمد، تاريخ ابن خلدون، الجزء الرابع، مصر، مطبعة بولاق،
بدون تاريخ نشر، ص164.
([14]) (السعدى) عثمان، البربر الامازيغ عرب عاربة، ط2، طرابلس ــ ليبيا، شُعبة التثقيف و التعبئة
و الإعلام، ص28.
([15]) (ياغي) عبد الرحمن، حياة القيروان، بدون بلد نشر، بدون دار نشر، بدون تاريخ نشر، ص13.
([16]) (لانغر) وليم، موسوعة تاريخ العالم، الجزء الأول، ترجمة:د. محمد مصطفي زيادة، القاهرة، مكتبة
النهضة المصرية، 1962، ص (25-26).
([17]) تاريخ ابن خلدون، مصدر سبق ذكره، ص
([18 ]) (ج. كامب)، البربر الذاكرة و الهوية، ترجمة: جاد الله عزوز الطلحي، طرابلس ـ ليبيا، مركز جهاد
الليبيين للدراسات التاريخية،