ليبيا مند الفتح الاسلامي وحتي 1911

ليبيا مند الفتح الاسلامي وحتي 1911

سكان طرابلس الغرب الأوائل

حوالي القرن العاشر قبل الميلاد، وهو التاريخ الذي تبدأ فيه معرفتنا التاريخية بطرابلس الغرب، كانت البلاد مسكونة من قبل أقوام تدعى الأقوام الليبية، ونعني بال ليبي ين الأهالي الذين اعتدنا تسميتهم بالبرير فيها بعد والذين يكونون حتى الآن الأساس في العنصر البشري بشمال إفريقيا، رغم الأحداث المتعاقبة والامتزاج بالأجناس الوافدة. ونحن لا نعرف إلا القليل عن هؤلاء الأقوام الليبيين القدامي، وما يزال الجدل محتدما حول أصلهم، وموطن قدومهم، هل هو في أعلى النيل أم في أثيوبيا )حاميون(؟ أم جاءوا من جنوبي

الجزيرة العربية )ساميون(؟ أم هم جنس خاص أصيل ( Autoctona من اجناس البحر الأبيض المتوسط؟ وفي وسع الدراسات الأنتروبولوجية، وابحاث ما قبل التاريخ، أن تجيب إجابة محددة على هذه المسائل. ورغبة في الاقتصار على آراء الدارسين، والاستناد إلى الأخبار الوثيقة، يمكننا القول بأنه في العهد الذي أقام فيه الفينيقيون أولى مستعمراتهم على طول سواحل إفريقيا الشمالية، كانت هناك شعوب تسكن طرابلس الغرب، وهي التي اتفقنا على تسميتها (بالليبيين الذين يذكر هردوت )القرن الخامس قبل الميلاد( بعض أسمائهم

الناسمون Nasamoni الذين يسكنون منطقة خليج سرت. بسيللي Psylli وماكاي Macae وجندانس Gindanes في المنطقة الواقعة بين خليج سرت الكبير وخليج سرت الصغير )خليج قابس(. ويعيش الجرامنت Garamanti والغانفسنتي Gamphasanti في دواخل القطر. وكانت الأساطير تتحدث عن وجود )ال لوتوفاجي ين Lotofagi( ال لين يأكلون )ال لوتو toما( في منطقة خليج سرت الصغير )قابس وجربة(.

أما سترابون )قرب العهد المسيحي( فإنه يذكر الأقوام الذين ذكرهم هردوت، ويضيف إليهم بين سكان الدواخل )الجيتولي Getuli(. أما أخبار بروكوبيوس فهي من عهد متأخر )القرن السادس بعد الميلاد( وهي أكثر دقة ، وتشير إلى أنه كانت تعيش بطرابلس الغرب شعوب )لواتة(، وكانت منتشرة بين خليج سرت الكبير ومدينة (أويا طرابلس. ويعيش إلى الشرق من ذلك السیلیون Seli ). وربما كانوا بسيللي الذين ذكرهم هردوت؟ ويعيش في الجنوب الأوستوريون Austria ).

واستنادا إلى ما هو متوفر لدينا من معلومات فإن قدماء الليبيين كانوا من البدو الرعاة. وقد اجتذبت الحضارة الفينيقية بعضا منهم، وأغرتهم بالحياة المستقرة والزراعة والتجارة. وكانوا يتكلمون لهجات نسميها نحن ليبية، تولدت عنها اللهجات البربرية التي ما تزال تعيش حتى الآن في غدامس وسوكنة والجبل، وزوارة وجربة ووسط الجزائر. وانتشرت بينهم أيضا انتشارا واسعا اللغة البونيقية القرطاجية التي ظلوا يستعملونها في المخاطبة التي بعد الاحتلال الروماني .

أما العبادة الصنمية الوثنية فقد تعرضت بالتأكيد إلى تغييرات لحقت بها، بتأثير العقائد السامية الفينيقية، ثم العقائد المسيحية التي محتها فيما بعد الدعوة الإسلامية، إلا أن بعض آثارها ظلت باقية حتى الآن في العادات، وخاصة في الخرافات والاحتفالات التي تستلهم الطقوس الطبيعية والمواسم.

وينوه بروكوبيوس بالتناقض الواضح بين الحياة المترفة المنعمة التي يعيشها الوندال العاكفون على الذات الحياة ومباهج الخمر والموسيقى وحياة الليبيين ماوري) الذين يقول عنهم:

إنهم يعيشون في أكواخ ضيقة، خانقة، ويقضون بها جميع فصول السنة ، صيفا وشتاء، ولا يغادرونها عند تساقط الثلج أو اشتداد الحر، أو لأي سبب من الأسباب الأخرى. وهم ينامون على الأرض، ويفترش الأغنياء منهم بعض الأغطية، ولم يعتادوا على تغيير ملابسهم بتغيير الفصول، ولكنهم يرتدون قميصا خشنا )كيتون Chiton( ويستعملون نوعا ثابتا من ال لحاف. لا يستعملون الخبز، ولا يشربون الخمر ولا يعرفون اي لذة من لذائذ المائدة ولكنهم يأكلون القمح والشعير، دون طبخ، ودون طحن