حقيقة "قتل الإخوة" من أجل العرش بالتاريخ العثماني

حقيقة "قتل الإخوة" من أجل العرش بالتاريخ العثماني

حقيقة "قتل الإخوة" من أجل العرش بالتاريخ العثماني
‏‎قطعًا أن الدولة العثمانية ليست دولة ملائكية، وتاريخها المخزي يتضمن مواقف وفترات جائرة غير سوية، حتى وإن توسعت وأقامت بنيانها على أساس الدين الإسلامي، ومن أوجه هذا الجور هو حوادث القتل على السلطة والعرش.
‏‎فمن هذه الحوادث، نجد ان بداية القتل للارحام بدأت بأرطغرل مؤسس الدولة، حيث قتل عمه دوندار لمجرد أنه خالفه في الرأي،
‏‎تكرر الأمر ذاته مع السلطان مراد الأول بن أورخان ثالث سلاطين الدولة، والذي قيل عنه أنه قتل ابنه "ساوجي" خوفا على عرشه حيث انه عرف وشاية أن ابنه ساوجي تآمر سرا مع الأمير البيزنطي "أندرو نيقوس" للقضاء على السلطان العثماني.
‏‎وتمركز ساوجي مع حليفه البيزنطي على رأس جيش في مكان ليس ببعيد عن القسطنطينية، وفر الجيش البيزنطي وقُبض على ساوجي، وجمع والده السلطان العلماء للحكم عليه، وأجمعوا على قتله بسبب خيانته.
‏‎الأمر نفسه يقال في واقعة قتل السلطان مراد الثاني عمه مصطفى، حيث أن الأخير قد استدعاه إيمانويل الثاني إمبراطور بيزنطة، وأمده بالجيش والسلاح لقتال الدولة العثمانية واستولى بالفعل على مدينة وميناء غاليبولي، فسار إليه السلطان مراد بجيشه وهزمه وقام بإعدامه.
‏‎وإضافة إلى هذا فهناك حوادث مفزعة في التاريخ العثماني ، كحادثة قيام السلطان محمد الفاتح بقتل أخيه الرضيع،
""شيوخ السلاطين
‏‎حقيقة الفتاوى المبيحة لقتل المنافسين
—————————————-
‏‎في سياق حوادث القتل على السلطة بالدولة العثمانية، يتم تداول أقاويل عن وجود فتاوى شرعية تبيح للسلاطين قتل الإخوة والأقارب من أجل حفظ النظام العام، وليس أدل على ذلك من أن المراجع التي تناولت الفتاوى، قد ذكرتها بصورة مبهمة، .
‏‎وعندما قتل السلطان بايزيد (الصاعقة) أخاه يعقوب بناء على وشاية، حدث جفاء شديد بينه وبين بعض علماء الشريعة المعترضين علي هذه الفتاوي التي تبيح سفك دماء الارحام
‏‎، فمنهم العالم القاضي شمس الدين الفناري، قد ردّ شهادة السلطان في إحدى القضايا فقط لأنه كان تاركا للصلاة في الجماعة.
‏‎ويذكر المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي نشمند، في موسوعة التاريخ العثماني، أن السلطان ذهب يتفقد العمل في مسجد في بورصة، فالتقى العالم محمد شمس الدين البخاري، وسأله هل هناك أي نقص في البناء؟، فأجابه العالم إجابة تنم عن شدة إنكاره على أفعال السلطان، فقال: "بالنسبة لنا نحن المسلمين فإننا لا نجد أي نقص في البناء، أما بالنسبة إليك يا بايزيد، فإنني أخشى أن تكون قد نسيت أن تضع خزانة تحفظ بها خمورك بجانب المحراب".
‏‎وقد ذكر بعض المؤرخين أن هذه الفتوى المبيحة للقتل قد أصدرها الشيخ سعيد أحد تلاميذ الشيخ التفتازاني وجاء فيها نصًّا: "من أتاكم وأمركم على جميعا على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جمعكم فاقتلوه".
‏‎والحقيقة أن هذه الفتوى قد صدرت عام 1420م، ضد أحد قضاة العسكر وهو الشيخ بدر الدين الذي ثار على السلطان وتزعّم حركة ذات معتقدات خبيثة، وقد ذكر هذا محمد فريد بك في كتابه "تاريخ الدولة العلية"، والمؤرخ التركي عبد القادر داده أوغلو في كتابه "التاريخ العثماني المصور".
‏‎إذن كانت هذه الفتوى بحق متمرد على الدولة قام بالخروج المسلح على السلطة، وهذا كما ذكرنا له مستند ومرتكز شرعي ثابت لا مرية فيه، وتقره جميع القوانين على مختلف مشاربها.
‏‎قانون قتل الإخوة:
‏‎تعتبر المادة المعروفة بقانون قتل الإخوة المنسوبة إلى السلطان محمد الفاتح والتي تجيز للسلطان تصفية الأمراء المنافسين بالاتفاق مع العلماء، أبرز أهم القضايا التي ثار حولها الجدل.
‏‎وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين قد نفوا نسبة هذا القانون للسلطان الفاتح، إلا أن المؤرخ التركي البروفيسور أحمد آق كوندز، قد رجح ثبوت هذه المادة في قانون الفاتح ، إلا أنه قد أوضح أن القانون مقيد بإيقاعه بحق من يعلن العصيان ويحاول مغالبة السلطان بالسلاح للاستيلاء على الحكم أو التعاون مع أعداء الدولة، وللاسف كان له مرتكز شرعي فقهي من بعض مشائخ السلاطين ، وهو مسألة الخروج المسلح على الحاكم الشرعي ولو كان من إخوته.
‏‎وينبغي عدم إهمال الظرف التاريخي لصدور هذا القانون، وهي حوادث الانشقاقات والانقلابات والعصيان والتمرد التي مرت بها الدولة قبيل تولي محمد بن مراد الثاني شؤون الحكم،
‏‎بيد أن هذا القانون تم تفسيره على نحو مخالف لما أريد له فمادة هذا القانون تتعلق بقتل من ينافس على السلطة ويتمرد عليها وليس القتل المطلق، والدليل على ذلك نص القانون نفسه، والذي جاء فيه أن ذلك ما أفتى به معظم العلماء، ولم يعهد عن أي عالم في زمانه الفاتح ولا قبله ولا بعده، قد أفتى بجواز القتل بدون أسباب.
‏‎لكن لا يستطيع أحد إنكار أن القانون تم تطبيقه بصورة سيئة في بعض العهود، واتُّخِذ ذريعة للتخلص من الإخوة والأقارب خوفا على منازعة السلطة دون وجود أسباب شرعية لهذا القتل.
‏‎فهذا القانون كان معالجة لإشكالية واقعية تتعلق بالصراعات بين الأبناء بعد وفاة السلطان، إلا أنه وإقرارًا بالحق، قد أخل بعض الحكام في العمل به، وقتلوا بالاشتباه والظن والوشاية وضلالات المفتين، وهذه بلا شك مثالب، إلا أن من يتحمل أوزارها كل ا التاريخ العثماني بأكمله، والذي امتلأت صفحاته بالسطور المخزية من قطع الارحام وقتل الاخوة والابناء