الطاعون فى طرابلس

الطاعون فى طرابلس

ي صيف عام 1785 م في زمن علي باشا القرمانلي كانت طرابلس ... تعاني من قحط ومجاعة وكثرت الوفيات، وارتفعت أسعار الحاجيات ... في تلك الفترة اندلع الطاعون في تونس، وتزايد قلق الناس من انتقاله الى طرابلس وفعلاً داهم الوباء طرابلس في الربيع التالي، وكان انتشاره عن طريق بضع أشخاص مصابين قدموا من تونس.
تسجل لنا الكاتبة مس تيللي في رسالتها ) 28 / 6 / 1785 ( "لقد أخرجت أكثر من 200 جثة من بوابة المدينة هذا اليوم، هذا مع العلم أن مجموع سكانها لا يتجاوز 14 ألف .. كما ارتفعت نفقات دفن الموتى ... وصارت العائلة تحمل ميتها الى الباب، وتعطى الجثة لأى رجل قبل أن يلقيها عى كتفه أو يحملها بن يديه، وينقلها الى المقبرة. كما هرب الطبيب لجنوى في بلاط الباشا وجميع القناصل ..‘‘. وبعد شهرين من اندلاع الطاعون، في بداية يوليو، كان الطاعون قد أودى بحياة ثلاثة آلاف شخص، أو ربع سكان المدينة، وكان العويل والنديب هو الصوت المهيمن عى طرابلس القديمة، بل كثرت الوفيات حتى لم تعد تقام صلاة الجنازة عى أصحابها، وإنما تجمع التوابيت ويتم اخراجها من بوابة المدينة قبيل الزوال من كل يوم.
ولم يتراجع شبح الوباء إلا بعد عام في الصيف التالي، وكانت نتائجه مرعبة فالمدينة شبه مقفرة من السكان .. وكثير من المنازل خاوية .. والشوارع لا أحد فيها، وتكاثر عدد الأطفال الأيتام أما القرى فبدت مهجورة، وكثير من بيوتها موصدة الأبواب سبب الطاعون .. أقرب إلى المقابر لأن أهلها ماتوا بداخلها وتحللت جثثهم في أفنيتها.
ويسجل نائب القنصل الفرنسي ، فى تقرير له فى صيف 1786 ، حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي:
"لم يعد باشا طرابلس يسوس اليوم سوى رعايا متمردين، وفيافي مجدبة، وخرائب مهدمة. وحتى المدينة .. عاصمته .. لم تعد سوى أكوام من الأنقاض .. ولم يعد لبوابات المدينة جدوى، كما تداعت الأبراج والأسوار. لقد أدى توالى سبع أو ثمان من السنين العجاف إلى ارتفاع معدل الوفيات، والى هجرة الناس من البلاد، ثم أكمل الطاعون حالة الدمار.. وليست طرابلس الآن سوى صحراء موحشة، وكل شيء ماض في الذبول والاضمحال بعد أن كانت ميناء مزدهرا يصدّر القمح والشعير والزيت".
يلاحظ رحالة إسباني أن الطاعون أنقص سكان المدينة، وقضى على أسر بكاملها ..حتى أن المرء ما زال يري في بداية القرن 19 ، منازل مهجورة ومنهارة بسبب الوباء.