جرائم ال عثمان

جرائم ال عثمان


‎ من حكايات اللواط في العصر العثماني
‎تمتلك ممارسات اللواطة في تركيا ماضيًا معقدًا، منحت فيه شرعيتها الأدبية من تكايا المتصوفة، ثم الاعتراف القانوني الرسمي من الدولة العثمانية. كما ارتبطت رأسًا بسياسات الاسترقاق الخاصة التي اتخذها الأتراك، وانخرط فيها بغير خجل أو وجل، الأكابر من رجالات العثمانيين، وعلى رأسهم البعض من السلاطين أنفسهم.
‎تبدأ حكاية اللواط في تركيا من تكايا الطريقة البكتاشية الصوفية، التي ارتبطت بها الدولة العثمانية منذ نشأتها. في المعتقد البكتاشي، وكان خليطًا عجيبًا من المعتقد الشيعي الإثنى عشري، وبعض الثيمات المسيحية، والأعراف التركية البدوية، اعتبر النظر إلى الغلام الأمرد (أي الصبي الصغير الذي لم تنبت لحيته بعد) لونًا من العبادة، الأمر الذي اعتبر بابًا سمح لأتباع الطريقة البكتاشية، وكان من بينهم سلاطين آل عثمان أنفسهم، بممارسة الجنس مع الغلمان.
‎ولما كان العثمانيون قد جعلوا من مشايخ البكتاشية الممول الروحي للفرق العسكرية الجديدة التي شكلتها الدولة من الأسرى المسيحيين الصغار، فيما عرف بنظام «الدوشرمة»"الانكشارية "، فقد أصبح مصير هؤلاء الغلمان الوافدين، خصوصًا الذين اختيروا لجمال أشكالهم لخدمة السلطان شخصيًا، عرضة للتعرض الجنسي من رأس الدولة العثمانية.
‎يقول المؤرخ الفرنسي فيليب مانسيل، في كتابه «القسطنطينية، المدينة التي اشتهاها العالم»: «كان القصر عالمًا قائمًا بذاته، وكان دخول غلام جديد يحدث عبر مراسم تطهر صارمة، فكان الغلام الجديد يترك ثلاثة أيام وحده من دون أن يكون هناك أحد يتحدث إليه إلى أن يخبره رئيس الخصيان بأنه قد انضم منذ ذلك الحين إلى صفوف عبيد السلطان. كان شعر الغلمان يقسم إلى ضفائر بالقرب من آذانهم، كتذكير لهم بأنهم يجب أن يظلوا عبيدًا للسلطان إلى الأبد وكانوا يعاملون معاملة الكلاب المربوطة المقيدة بمقود من رقبتها، فكانوا إذا خالفوا قاعدة يضربون ضربا مبرحا.. وكان أقدر وأوسم أربعين غلاما يختارون للخدمة في غرفة السلطان الخاصة كان لكل غلام عمل منفصل، فأحدهم كان يعتني بسيف السلطان وآخر ببغاواته وثالث يحلق للسلطان ورابع يقلم أصابع يديه وقدميه. وفي الليل، كانت أسرة الغلمان توزع على زوايا الغرفة الأربعة. وفي وسطها كان يوجد سرير السلطان العريض».
‎إضافة إلى تلك الرعاية من البكتاشية وشرعنة اللواط، فبعض المصادر تميل إلى تعيين كتاب «قابوس نامه» للأمير كيكاووس من آل زيار والذي ألفه عام 475 هـ/ 1082، كمصدر ثان برر به بعض العثمانيين ممارستهم للواط. ففي هذا الكتاب، الذي هو أساسًا مجموعة من النصائح يقدمها الأمير كيكاووس لابنه، ترد النصيحة التالية: «إذا أردت الصحة والسعادة فعليك بالنساء إذا جاء الصيف، وعليك بالغلمان (أوغلان) إذا جاء الشتاء، لأن جسد الغلمان حار واجتماع حارين في الصيف مضر بالصحة. وجسد النساء بارد فإذا اجتمع باردان في الشتاء جف الجسد».
‎وعلى الرغم من رفض سعيد أوزتورك وأحمد آق كوندوز في كتابهما «الدولة العثمانية المجهولة» ترجمة أوغلان في نص «قابوس نامه» بالغلام حصرًا، وقولهما إنها كانت تعني بالتركية خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الشبان والشابات معا، وبالتالي نفي ممارسة اللواط عن السلاطين من آل عثمان، فإن حقيقة أن ممارسة الفاحشة بالصبيان قديمة في الممالك الإسلامية قبل نشوء الدولة العثمانية نفسها، إذ ورثتها تلك الممالك عن الحضارات الأسبق، وورثها العثمانيون عنها بطبيعة الحال، يميل بالمرء إلى المصادقة على أن أوغلان الواردة في نصيحة كيكاووس بعد ترجمتها إلى اللغة التركية، كانت تعني الغلمان الذكور.
‎ولعل أصدق الأدلة على هذا ممارسة بعض السلاطين العثمانيين اللواط بصبيان الدوشرمة في أجنحتهم الخاصة. من هؤلاء السلطان الشهير محمد الفاتح، الذي يقول فيليب مانسيل إنه كان مركًبا من التناقضات، فهو «وحشي ووديع، قاس ومتسامح، وتقي ولوطي». ويروي عن الفاتح تعشقه للأمير الروماني رادو الوسيم، عندما كان رهينة في البلاط العثماني بأدرنة. ورادو هو نفسه شقيق الكونت دراكولا الثالث، حاكم ترانسلفانيا المتوحش، الذي تحولت سيرته الملطخة بالدماء إلى أسطورة مصاص الدماء الشهيرة.
‎كذلك عرف السلطان العثماني مراد الرابع بميوله المثلية، والتي جعلته إلى جانب فحولته العسكرية ومطاردته لشاربي القهوة والخمر في شوارع إسطنبول، عاشقًا لشخص يدعى موسى جلبي، كانت العاصمة العثمانية تلهج بذكر خلواتهما.
‎إلى جانب ذلك، فقد أسبغ على اللواط، وعلى شاكلة الدعارة، الصفة القانونية في الأقاليم العربية الخاضعة للعثمانيين. ولدينا نص الرحالة العثماني أوليا جلبي الذي زار مصر في منتصف القرن الـ17 الميلادي، وأشار إلى معاينته بيوت الدعارة واللواط في القاهرة خارج باب اللوق، وتحصيل كبار الفرق العسكرية العثمانية الضرائب من المشتغلين في تلك المهن.
‎وقد ظلت ممارسات اللواطة منتشرة على الرغم من أنوف الفقهاء المسلمين الذين اعتبروها منافية للشرع الإسلامي، حتى منتصف القرن الـ19 الميلادي، حين أعلن السلطان عبد المجيد الأول عن بدء عصر التنظيمات في تركيا، والذي استهدف علمنة الدولة العثمانية. كان من ضمن القوانين التي انبثقت عن التنظيمات تلك، قانون يلغي تجريم ومعاقبة الأفعال الجنسية المثلية، تم التصديق عليه من عبد المجيد الأول العام 1858، قبل عقود من صدور قوانين مثيلة في الغرب الأوروبي نفسه. وقد اختتم ذلك القانون نحو ثلاثة قرون كاملة من الصراعات بين المؤسسات الدينية والدولة العثمانية حول شرعية اللواط، كان الانتصار فيها جميعا للأخيرة، بعد أن أفلتت بالمثلية الجنسية في كل مرة بعيدًا عن مظلة الشرع