الاتراك …كيف تركوا ليبيا فريسة لإيطاليا.. ؟

الاتراك …كيف تركوا ليبيا فريسة لإيطاليا.. ؟

الاتراك …كيف تركوا ليبيا فريسة لإيطاليا.. ؟


أن السنوات الأخيرة للعثمانيين في ليبيا لم تثر في الحقيقة الكثير من مشاعر الفخر لدى الأتراك، بل على العكس من ذلك، ارتبطت بأول هزيمة نالتها القومية التركية الناشئة في بدايات القرن العشرين. كما ارتبطت بانسحاب تركي مخز من الأراضي الليبية أمام المحتل الإيطالي، ترك الليبيون بعده فرادى أمام غازٍ أجنبي يتفوق عليهم في العتاد والسلاح. 

 

الحرب الإيطالية الليبية 1911

في عام 1908، نجحت جمعية الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة)، وهي حزب تركي ثوري، في تدبير انقلاب عسكري، أطيح على أثره السلطان عبد الحميد الثاني من عرش الدولة العثمانية في العام التالي 1909.

حمل القائمون على «الاتحاد والترقي» أيديولوجية قومية متطرفة تعتبر هي الأصل التي انبنت عليه الجمهورية التركية الحالية. وقد أعلنوا فور انتصارهم على عبد الحميد، نيتهم إعادة المجد للعرق التركي وتحقيق الانتصار له في كافة أرجاء الإمبراطورية العثمانية.   

شاءت الأقدار أن تكون ليبيا الاختبار الأول للقوميين الأتراك. ففي سبتمبر 1911، بدأت إيطاليا، التي خرجت متأخرة مثل ألمانيا إلى التوسع الكولونيالي، بغزو الساحل الليبي والاستيلاء على الإقليمين الكبيرين في ليبيا: برقة شرقًا، وطرابلس غربًا. 

بدأ الاتحاديون أمام الغزو الإيطالي في تجهيز الجيوش العثمانية؛ تمهيدًا لطرد الطليان من ليبيا. وكانت الحملات الدعائية المكثفة، التي أخذت بالطبع مظهرًا قوميًّا عميقًا، مبشرة بأن الحكام الجدد للدولة العثمانية استطاعوا علاج المشكلات العسكرية المزمنة في الدولة، وأنهم سيتمكنون من الانتصار على الأوروبيين أخيرًا، بعد سنوات القرن الـ19، التي شهدت فقدان العثمانيين لأقاليم الشرق الأوسط والبلقان. 

لكن دعاية الاتحاديين الواسعة لم تعكس واقعًا حقيقيًّا على الأرض، فالجيوش العثمانية ظلت مفتقدة لأحدث التطورات التقنية على مستوى الأساطيل الجوية والبحرية، وهو ما ظهرت تجلياته سريعًا، عندما وصل الجنود الأتراك إلى ليبيا وبدأوا في الدفاع عنها أمام الإيطاليين. فللمرة الأولى في تاريخ الحروب الحديثة، استخدم السلاح الجوي الإيطالي طائرة استكشاف لدراسة تمركزات القوات التركية. كما أن الطائرات الإيطالية نجحت في تنفيذ أول قصف بالقنابل الكبيرة على المواقع التركية في الصحراء الليبية. الأمر الذي خلف عددًا كبيرًا من القتلى الأتراك. 

بدأت الحرب التركية الإيطالية في يوم 28 سبتمبر 1911، عندما وصل الأسطول الإيطالي إلى طرابلس، وبدأ في قصف مينائها يوم 3 أكتوبر. ولما كان الأتراك لا يمتلكون القدرة على تقديم الدعم إلى المقاومين الليبيين في طرابلس، فإن الأخيرة سقطت في قبضة 1500 جندي فقط من الإيطاليين. 

وفي 10 أكتوبر، استولى 20 ألفًا من القوات الإيطالية بسهولة على كل من طبرق، ودرنة، والخمس. وتبعتهم بنغازي ، زادت إيطاليا من حجم وجودها العسكري في ليبيا إلى أقصى الحدود. بينما ظلت جمعية الاتحاد والترقي مكتفية بالاعتماد على قوات الفرسان العربية في ليبيا. الأمر الذي مكن الطليان أخيرا، بين شهري أبريل وأغسطس من عام 1912 من احتلال الساحل الليبي بأكمله. 

بل إن النجاحات العسكرية في ليبيا، وانعدام المقاومة التركية، شجعت إيطاليا على نقل حربها مع الدولة العثمانية إلى بحر إيجة، حيث استولوا على مجموعة الجزر المعروفة باسم «دوديكانيز». وفي ليلتي 18 و19 يوليو، قصفت الطائرات الإيطالية العاصمة العثمانية إسطنبول ذاتها، دون أن تجد لها رادعًا من الأتراك.  

أمام تلك التطورات الخطيرة، اعترف الأتراك من أعضاء جمعية «الاتحاد والترقي» بهزيمتهم العسكرية أمام إيطاليا، وأرسلوا وفدًا إلى مدينة أوشي السويسرية، حيث وقعت معاهدة سلام بين الطرفين التركي والإيطالي في 18 أكتوبر 1912، تنسحب خلاله تركيا من ليبيا، معترفة بسيادة إيطاليا على تلك الأخيرة. كما أعلن الأتراك التزامهم في المعاهدة بعدم إمداد المقاومة الليبية بالسلاح أو الرجال. وأخيرًا، اعترفت تركيا بالسيادة الإيطالية فوق جزر الدوديكانيز. 

هكذا، انسحبت تركيا خائبة من ليبيا دون الدفاع عنها حتى آخر رمق، تاركة مصائر أهلها في أيدي الإيطاليين يسومونهم سوء العذاب لعقود من الزمن. 


https://albunyanalmarsus.com/