الجهاد ضد الاستعمار التركي
من ملاحم الجهاد ضد الاستعمار التركي .. معركة قليعات الحطابه
.
ونحن يغمرنا وحل الفتنة ، وننشغل بمعارك جانبية تافهة ، نتابع ببلاهة إتساع الهوة بين الأهل والإخوة ، ونرقب تفكك أواصر الصف الذي بناه الآباء والأجداد بالدم والعرق والدموع ، والذي يشكل لبنة مهمة في صرح أمجاد ليبيا ، ونحن نعيش مسلسل ضياع الوطن حلقة بحلقة ، ونجلس على مدرجات المتفرجين نصفق لمباريات الاجندات وهي تتلاعب بمقدرات عيشنا .
في هذا الخضم تمر علينا اليوم الذكرى (186) لمعركة قليعات الحطابة التي خاضها الصف الفوقي ضد الاستعمار التركي ، أبان ولاية يوسف القرمانلي ، وأرخت لعمق العلاقة وعظمة التلاحم وقوة الروابط بين أبناء الشعب الليبي ، دارت هذه المعركة بالقرب من مدينة بني وليد بتاريخ 13 نوفمبر 1831م ، وكانت القيادة في هذه المعركة للمجاهد عبدالجليل سيف النصر.
.
وصف مختصر للمعركة :
لأخماد ثورة قبائل (ورفله والقذاذفه واولاد سليمان ) ضد الاستعمار التركي ، قام يوسف القرمانلي ، بتسيير حملة عسكرية ضخمة إلى بني وليد معقل المجاهدين آنذاك ، ولأهمية هذه الحملة دفع الوالي التركي بولديه علي و إبراهيم لقيادتها .
وصلت القوات التركية يوم الجمعة 12 نوفمبر 1831م الموافق (7 جمادي الآخرة 1237 هجرية) لمشارف بني وليد وعسكرت ليلا على بعد 7 كيلومترات تقريبا ًمن قوات المجاهدين بمكان يعرف بقليعات الحطابة .
وفي ذات الليلة شن المجاهدون هجوماً عنيفاً مباغثاً على الحملة التركية الغازية ، دام لثلاث ساعات ، ثم عاد المجاهدين ادراجهم ، بعد أن أثخنوا في العدو وأربكوا حساباته وألقوا الرعب في قلوب جنده .
في صباح اليوم التالي تقدمت الحملة في إتجاه بني وليد ، وعند منطقة تسمى ظهرة الشيخ السوداني ، أصطدمت بقوات المجاهدين من جديد التي أتخذت محورين لمواجهة الحملة وهما محور عقل صرارفي الوسط ومحور بن قائد في الغرب ، دارت مواجهات عنيفة أستمرت ثلاثة أيام ، أستبسل خلالها المجاهدين رغم التفاوت في القوة حيث كانت الحملة التركية تفوق المجاهدين عدد وعدة ، وصمدت قوات المجاهدين في وجه القوة التركية الغازية وكادت أن تحقق نصراً صريحا عليها ، ومع غروب شمس اليوم الثالث من القتال الضاري تدخل وفد من قبيلة أولاد أبوسيف المرابطين بين الطرفين وعقدوا في تلك الليلة اتفاق وقف القتال ، وفي صباح اليوم التالي الموافق 15نوفمبر1831م قام الاتراك بخرق الاتفاق وحاولوا الغدر بالمجاهدين ! لكنهم لم يفلحوا ودارت مواجهات عنيفة بين الطرفين لم تتوقف الا بتدخل أولاد أبوسيف للمرة الثانية ، حيث صمد الاتفاق هذه المرة وعادت الحملة التركية ولم تحقق أغراضها في إخضاع المجاهدين لسلطانها . ونتج عن هذه المعركة خروج بني وليد وسرت وفزان عن سيطرة الاستعمار التركي آنذاك .
وهذه منظومة شعرية رباعية النظم تؤرخ لهذه المعركة تقول :
.
رسم سوق في شعبة الطين ** للـيل يـرقـى طشاشــــه
سلك فيــه ديــن المدافــــين ** وبات الغلب على الباشا
.
في الوقت الذي نستمطر فيه أشابيب الرحمة والغفران على أرواح شهداء هذه المعركة المجيدة ..
في الوقت الذي نشعر فيه بالفخر والإعتزاز بعظمة الأمجاد التي سطرها المجاهدون الليبيون عامة ومجاهدو هذا القبائل خاصة ..
في الوقت الذي يعتصرنا فيه الألم لما آل إليه مآل العلاقة بين الاخوة ..
نهيب بأحفاد هؤلاء المجاهدين الغر الميامين أن يستحضروا عظمة الإرث التاريخي ، ويعملوا على رأب الصدع الذي طال النسيج الإجتماعي الليبي ، وأن يهبوا للإلتحام بالقوى الوطنية الحية الرافضة للهيمنة الغربية لإنتزاع الوطن من براثن الإرهاب والظلم والغبن والتبعية .. ليحيوا الأمجاد ويحققوا السلام والوئام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوثيقة المرفقة هي عبارة عن رسالة موجهة من الوالي يوسف القرمانلي إلى صهره محمد بيت المال المتواجد آنذاك بشرق ليبيا ، كتبها بعد شهر تقريباً من حدوث المعركة .
المراجع /
ــ كتاب انهيار الأسرة القرمانلية في ليبيا لعمر بن علي اسماعيل صادر عن دار الفرجاني .
ــ حديث قديم لي مع المؤرخ المرحوم مختار بن يونس الورفلي ، حول المعركة والوثيقة المرفقة التي توثق للمعركة من وجهة نظر الأتراك ، حيث أفادني رحمه الله أن الروايات الشفهية المتواترة حول المعركة تختلف عن ما ورد في الوثيقة من تلميع وتبجيل للحملة .