تاريخ برج ابو ليلة

تاريخ برج ابو ليلة

برج بوليلة
......
القصة التاريخية الكامة لبرج بوليلة وسبب تسميته بهذا الإسم
المقال للاستاذ /سعيد علي حامد
تميزت بداية القرن السابع عشر الميلادي بعقد سلسلة من المعاهدات، بين دول الشمال الأفريقي وبين الدول الأوروبية. وانتزعت كل من فرنسا وإنجلترا الأسبقية في ذلك (( وترد أولى الإشارات إلى وجود قنصل أو وكيل قنصل لفرنسا بطرابلس في العشر الأوائل من القرن السابع عشر. وإن كان ذلك بشكل متقطع ، وفي سنة 1630 أرسل الملك لويس الثالث عشر (برينقير ) berenguier إلى طرابلس فعمل على تحرير الأسرى من مواطنيه، وترك قنصلا لفرنسا هو دو مولان( du molin ) وتجدر الإشارة هنا إلى أن ((العلاقات المنتظمة بين فرنسا وطرابلس ، لم تبدأ إلا في سنة 1680 )) .
ارتبط تأسيس مدينة طرابلس بالبحر ، فمنذ الألف الأولى قبل الميلاد ترددت سفن التجار الكنعانيين (الفنيقيين) على الساحل الليبي وأسسوا في غربه ثلاثة مراكز تجارية ( لبدة، أويا" طرابلس" ، صبرا ته ). وقد نمت هذه المراكز حتى غدت مدنا مزدهرة لعبت دورا مهما في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط . ويلاحظ أن معظم الغزوات التي شنت على مدينة طرابلس كان مصدرها البحر، لذلك تأثرت بأحداث هذا البحر و أثّرت فيها . وجاب بحارتها بأساطيلهم حوض البحر الأبيض المتوسط، وكانت لهم سطوة وذاع صيتهم في معظم موانيه.
شهدت العلاقات الليبية الفرنسية تدهورا في كثير من الأوقات ، وكان للصراع والجهاد البحري _ وهو ماعرف بحرب القرصنة البحرية _ في حوض البحر الأبيض المتوسط الأثر الكبير في ذلك ، إذ اعتادت السفن الطرابلسية مهاجمة السفن الفرنسية والاستيلاء عليها وأسر من فيها واستغلالهم في أعمال التجديف على ظهر السفن الطرابلسية أو سجنهم في حمامات الأسرى (السجون) في انتظار الإفراج عنهم مقابل فدية وكان ذلك من طبيعة تلك الفترة التاريخية .
ازداد نشاط البحرية الطرابلسية في النصف الثاني من القرن السابع عشر، وهي الفترة التي انشغلت فيها القوة المسيحية بالحرب التي كانت تدور رحاها بين الأتراك والبنادقة ( 1645 _ 1669) في جزيرة كريت ، فاستغل البحارة الطرابلسيون تلك الأحداث لزيادة نشاطهم البحري ، وازدادت حماستهم في مطاردة السفن الأوروبية، وأسر من فيها، حتى أنه في سنة 1669م بلغ عدد الأسرى المسيحيين بطرابلس 1559 أسيرا.
نظرا لخطورة النشاط البحري الطرابلسي في تلك الفترة على رعايا ومصالح الدول الأوروبية، بدأت الأساطيل الأوروبية بالتحرش بالأسطول الطرابلسي في حوض البحر الأبيض المتوسط ، بل استهدفت مدينة طرابلس وميناءها ، ونتيجة لهذا النشاط الأوروبي تقلص عدد الأسرى المسيحيين حتى بلغ حوالي ثمانمائة أسير فرنسي في سنة 1677 م. إضافة إلى أعداد من الأسرى من بعض الجنسيات الأوروبية الأخرى .
في سنة 1680 م عقدت معاهدة بين والي طرابلس والفرنسيين لعدم الاعتداء على سفن الجانبين، إلا أنه سرعان ماعادت العدائية مما أدى إلى أن تبدأ فرنسا سلسلة من حملاتها الحربية على طرابلس التي تنتهي أحيانا بالخيبة وأحيانا بفرض معاهدة صلح
قام أسطول فرنسي بقيادة المرشال دي استري بقصف طرابلس سنة 1685 ، كان له الأثر الكبير في تدمير العديد من المباني والمنشآت في المدينة وتضرر قوس ماركوس اوريليوس أيضا . وقد تمكن دي استري من نصب بعض المدافع على نتوء صخري في البحر (جزيرة صخرية صغيرة ) قبالة برج التراب (منطقة القبة الآن) وعرف ذلك النتوء من ذلك الوقت ( بصخرة الفرنسيين ) وعقدت اثر ذلك معاهدة بين الطرفين إلا أنها لم تستمر طويلا، فشنّ الأسطول الفرنسي " حملة أخرى عام 1692 فشل أثرها في فرض صلح جديد ولكن ابرم الصلح في العام الموالي نتيجة تدخل الدولة العثمانية ونتيجة تبين فرنسا عدم جدوى سياسة القوة " ، ثم عقدت معاهدة صداقة بين طرابلس وفرنسا في سنة 1699 م. وشهدت العلاقات الليبية الفرنسية فترة من الهدوء امتد الى نهاية العهد العثماني الأول.
اتسمت سنة 1711 م. باستيلاء أحمد القره مانللى على الحكم في طرابلس، وأسس عهدا استمر حتى سنة 1835 م. فحرص عند توليه أمور طرابلس على استقرار الأوضاع بها، فقضى على الانكشارية، وعمل على فرض هيبته بالدواخل واهتم بتحصين مدينة طرابلس.
وفي إطار علاقة أحمد باشا القره مانللى بفرنسا فقد جددت معاهدة 1699 م في سنة 1711 م بمناسبة توليه الحكم وقدوم قنصل فرنسي جديد إلى طرابلس . إلا أن هذه العلاقات قد تأثرت في العديد من السنوات بين سنتين 1711 -1727 م .
إنشاء برج بوليلة/
أمام التهديدات البحرية الفرنسية لايالة طرابلس ، قام أحمد باشا القره مانللى بالاستعداد للدفاع عن المدينة " فانصرف بجد الى تحسين وتجديد وإنشاء الوسائل الدفاعية ، وبدأ بتجديد أسوار المدينة وتقويتها وقام بإصلاح برج المندريك * وشرع أيضا في إنشاء برج جديد فوق صخرة بحرية تقع أمام السور الشمالي للمدينة وتحت برج التراب وهو الحصن المعروف باسم أبي ليلة أو البرج الفرنساوي ( برج الفرنسيين" .
وقد ذكر هذا البرج المؤرخ حسن الفقيه حسن في يومياته نقلا عما وجده مقيدا في دفتر الاغا إسماعيل الازمرلي ونصه " الحمد لله . بني المعظم بالله سيدي أحمد باشا القره مانللى البرج الذي يلي المدينة غربيها من ياله البحر سنة ألف ومائة وأربعين *_ 1140" وقد بخل الاغا إسماعيل الازمرلي علينا في تدوين التاريخ بدقة ، إذ لم يشر الى اليوم أو الشهر إلا إن نصه لا تعوزه الدقة وأكدته خريطة عسكرية لتحصينات مدينة طرابلس نشرها ميكاكي في مقال له وأوضحت أن هذا البرج كان موجودا عندما رسمت تلك الخريطة في سنة 1728م . وكان يعرف باسم البرج الجديد نظرا لأنه احدث الأبراج المشيدة في تلك الفترة . وعرف فيما بعد باسم برج الفرنسيين أو البرج الفرنساوي نظرا لان الأسطول الفرنسي الذي كان بقيادة دي استري، والذي قصف مدينة طرابلس في سنة 1685 م. كان قد نصب بعض مدافعه على الصخرة التي شيد عليها البرج فيما بعد.
أما تسميته ببرج بو ليلة فيبدو أن هذا الاسم أحدث من الإسمين السابقين ، وتذهب الروايات الشفوية أن سبب إطلاق اسم بوليلة عليه يعود لتشييده في ليلة واحدة إلا أننا نستبعد ذلك لشدة ضخامته ، وصعوبة أعمال تشوين المواد لأنه شيد بداخل البحر. ولم أتمكن من الوصول إلى تعليل مقبول لسبب إطلاق اسم بوليلة عليه
تصمت المصادر التاريخية عن الدور الذي أداه هذا البرج ، ولتسعفنا بأي معلومات توضح دوره سواء بسعد إنشاءه مباشرة أو في الفترات اللاحقة ولا نستبعد أن يكون له دورا مهما في الدفاع عن مدينة طرابلس بعد إنشائه مباشرة ، إذ تعرضت المدينة في سنة 1728م لهجوم الأسطول الفرنسي وتم " تدمير أكثر من ثلث المدينة وليس التي القي عليها ما يزيد على 1800 قنبلة وإذا كانت الضحايا في الأرواح قليلة ، فان الخسائر والأضرار الأخرى كانت كبيرة ومع هذا فان الباشا احمد القرمانلى لم يكن يشير أي إشارة للخضوع وعندما فشل الأسطول الفرنسي في مهمته ونفد ما لديه من ذخائر أطلق أشرعته للريح وغاب عن الأنظار " .
وبالرغم من الأضرار التي ألحقت بمدينة طرابلس فان الأسطول الفرنسي " لم يستطع أن يفرض عليها شيئا وهنا استعر نشاط البحرية الطرابلسية مما جعل فرنسا تدرس إمكانية احتلال المدينة وليس قصفها فقط وتدمير المدينة والميناء بشكل كامل، بل وبدأت الاستعدادات فعلا لهذا العمل وفدر العدد اللازم للحملة بستة آلاف رجل وأعدت تقارير مفصلة حول تحصينات المدينة وإمكانياتها العسكرية " ويشير كوستانزيو برينيا في كتابة طرابلس من 1510_1850م.أن الدرس الذي تلقاه أحمد من فرنسا في سنة 1728، كان درسا قاسيا إلى أبعد الحدود ... ولم تكن الأضرار التي تعرضت لها المدينة أقل من ذلك، إذ ظلت تحمل آثار هذه الأضرار، والخراب الذي لحق بالمنازل والأسوار وغيرها ..
إن أقدم وصف وصل إلينا جاء في تقرير أعده القائد العام للبحر الفيس ميلا نوفيتش الذي زار طرابلس رفقة رئيس بعثة الشرف البندقية القائد بوبليش والقنصل بالوفيتش الذي تم تعيينه كأول قنصل بندقي في طرابلس سنة 1765م. ويعد هذا الوصف الذي أعد من قبل مهندس عسكري – وهو ميلا نوفيتش – والذي كان " مكلفا بمهمة سرية تتلخص في محاولة رسم معاقل الميناء والمدينة وحصونها وقوة حاميتها وما إلى ذلك من معلومات عسكرية "، وصفا دقيقا إذ أعد بعين خبير في الحصينات ، كما أنه" رسم بدقة متناهية جميع القلاع ومواقعها وتحصيناتها وقدم معلومات قيمة لحكومته عن قوة الحامية ... كما قام برسم للمدينة ذاتها من داخلها وقد قدمت هذه المعلومات إلى البندقية ".
وبالرغم من العمل الكبير الذي قام به ميلا نوفيتش فانه كان يخشى أن يكتشف أمره، إذ أن هذا العمل يتنافى مع قوانين هذا البلد وعمله هذا يدخل في الجوسسة والأضرار بمصالح البلاد إضافة أن مهمة الوفد الذي قدم معه كانت مهمته دبلوماسية، وعمله الذي قام به يظهر النوايا السيئة التي كانت تختمر في أذهان رجال السياسة البنادقة، وينم عن استعدادات مبكرة تحسبا لأي طارئ يؤدي إلى توتر العلاقات بين البلدين مستقبلا، ويظهر هذا التقرير ضعف الإجراءات الأمنية لولاية طرابلس وعدم مقدرتها من رصد تحركات الأجانب أو هو على الأقل إفراط في الثقة. وقد جاء في هذا التقرير عن برج بوليلة ما يأتي :" ويقوم الحصن الفرنسي قبالة ذلك البرج (الاسباني ) من جهة البحر على صخرة كبيرة ، وشكله مستدير و يجتاز إليه بواسطة جسر حجري ، ويحتوي على اثني عشر مدفعا حديديا ، نصبت على قواعد نبارية مثل غيرها على الأغلب ، وقد وجهت تلك المجموعة من المدافع لحماية ذلك الضلع ، وبانضمامها إلى مدافع قلعة البحر تكون موجهة إلى تلك النقطة التي تظهر فيها السفن البحرية " .
ولانجد بعد هذا الوصف ذكرا للبرج، إذ ضن علينا الكتّاب والرحالة، فلم يقدموا لنا أي معلومات عنه، فلم يصفوه ولم يتحدثوا عن دوره في الدفاع عن مدينة طرابلس حتى أن حسن الفقيه لم يشر إليه إلا في التقيدات التي نقلها عن دفتر الاغا إسماعيل الازمرلي، ولم يذكره في يومياته التي دونها بنفسه. ومن المحتمل أنه أدى دورا مهما في الدفاع عن مدينة طرابلس ضد الأساطيل الأجنبية وخاصة في فترة الحرب الطرابلسية الأمريكية 1801_1805 م. إذ كان احد الاستحكامات المتقدمة التي لم تمكن السفن الحربية الأمريكية من الاقتراب من شاطئ طرابلس فلم تكن لقدائفها كبير أثر على المدينة .
في العهد العثماني الثاني 1835 -1911 م. ظل برج بوليلة قائما، إذ أشارت إليه بعض الخرط المرسومة في تلك الفترة، وإن كانت كتب المؤرخين التي كتبت في ذلك العهد (أحمد النائب: المنهل العذب ، في الحوليات الطرابلسية .) لم تشر اليه ولا إلى دوره في هذه الفترة، كما لم أعثر في الوثائق المصنفة بدار المحفوظات التاريخية على أي وثيقة تشير إليه لا من قريب ولا بعيد.
وقعت ليبيا في سنة 1911 م. تحت سيطرة الاستعمار الايطالي ، ويبدو بأن السلطات الايطالية اهتمت بهذا الاستحكام الدفاعي وقامت بصيانته، وفي زيارة لي مع الأستاذ مسعود قانة لهذا البرج في سنة 1972 عثرنا على تاريخ مدون بالطلاء الأحمر على جدار الدهليز الطويل في الدور الأرضي منه وهو 1914 كما استغلته القوات الايطالية في الحرب العالمية الثانية ونصبت فيه ثلاثة مدافع وتعرض للقصف من قبل القوات المعادية لإيطاليا ثم هجر البرج وكان البوليس البحري الليبي يقوم بزيارات تفتيشية له بعد سنة 1952 م.
وفي سبعينيات هذا القرن استغلته الشركة التركية التي أُوكل إليها تنفيذ حاجز الأمواج لميناء طرابلس البحري، وفي سنة 1980 قام شباب منطقة باب البحر باستغلاله كمقر لنادي الغوص والرياضة البحرية.
وصف برج بوليلة/
برج بوليلة عبارة عن بناء بيضوي الشكل ، يبلغ قطر طوله 37 مترا ، وقطر عرضه 26 مترا ويبلغ ارتفاع جداره 4.50 مترا تقريبا . له مدخل رئيسي يفتح باتجاه الجنوب ناحية برج التراب ( خزان مياه القبة الآن ) ويبلغ عرض المدخل 1.30 مترا وارتفاعه 2.0 متر ، والى يسار المدخل يوجد سلم حجري لا يتجاوز عرضه 0.5 متر يتم بواسطته الصعود إلى سطح البرج.
بعد اجتياز المدخل الرئيسي يوجد سلم حجري ، عرضه متر تقريبا به 8 درجات يتم النزول بواسطتها إلى الدور الأرضي.
يتكون الدور الأرضي من دهليز عرض يتراوح عرضه بين 1.80 متر و2.00 مترا وطوله حوالي 10 أمتار ، وبه فتحتان للإضاءة والتهوية ، تقع الأولى في أقصى الدهليز يمين الداخل، والثانية على يسار الداخل ورغم ذلك فهو مظلم إلا أنه يكون أكثر إضاءة في فترة الظهيرة.
نجتاز الدهليز السابق عن طريق ممر عرضه بين المتر و 1.10 مترا وطوله حوالي 1.20مترا ، ويوصل هذا الممر إلى دهليز عرضي ( شكل 1_ب ) يتراوح عرضه بين 1.80 مترا و 2.00 مترا ويبلغ طوله حوالي 9.90 مترا، وتوجد سلالم بهذا الدهليز تؤدي إلى الدور الأول، وهي على يسار الداخل، ومن الملاحظ انعدام فتحات التهوية به.
يفتح الدهليز السابق (ب) على دهليزين طويلين (شكل 1-ج ، د) ، عن طريق فتحة يمكن بواسطتها الولوج إلى الدهليز الطولي الأول (شكل 1-ج ) ، الذي يبلغ عرض مدخله 1.50 مترا ،وطول الدهليز 16.20 مترا وعرضه مترين وتوجد به ثلاث فتحات للإضاءة والتهوية الأولى عند مدخله والثانية في منتصفه والثالثة في نهايته، ورغم ذلك فهو مظلم ودرجة الرطوبة به مرتفعة.
أما الدهليز الطولي الآخر ( شكل 1،د ) فيقع مدخله تحت السلالم التي في الدهليز العرضي ( شكل 1-ب)ومدخل هذا الدهليز الطولي يتراوح بين متر و 1.10 مترا وعرض الدهليز مابين 1.80 إلى 2.00 مترا وطوله 12.80 مترا . وبه فتحتان للإضاءة والتهوية الأولى عند مدخله، أما الأخرى ففي منتصفه وهو بذلك أكثر ظلمة وأقل تهوية من الدهليز الطولي الأول.
يحتوي الطابق الأول للبرج على عدة حجرات متفاوتة الحجم ( انظر شكل 2) ويمكن الدخول إليها عن طريق مدخل يفتح ناحية الشمال أو الصعود إليه عن طريق السلالم التي في الدور الأرضي.
وعلى سطحه ثلاثة أماكن دائرية كانت تستخدم كمواقع للمدافع، إلا أنه طرأت بعض التعديلات على هذا الدور حيث تم سد مدخل السلالم بجدار في فترة السبعينيات من هذا القرن، كما أنه في شهر يناير 1981 حدثت نوّه بحرية نتج عنها انهيار سقف الجهة الشمالية من البرج وطمرت نهاية الدهليزين الطوليين ( شكل 1،ج،د ) وانهار موقع المدفع الأوسط ، وقد قام شباب منطقة باب البحر بتغطية الجزء المنهار بالأتربة ، كما أن أعمال حاجز الأمواج لميناء لطرابلس وردم المنطقة الواقعة بين برج بوليلة وطريق الميناء وأعمال توسيع هذا الطريق وإقامة جزيرة دوران أمام البرج أدت إلى طمر مدخل البرج تحت مستوى الطريق ، وبذلك فقد البرج بعض من معالمه، كما أضيفت له حجرتان على سطحه في تسعينيات هذا القرن تستغل الأولى كمقهى والثانية مخصصة لتعبئة اسطوانات الغطس بالأكسجين. كما تم بناء سلم حجري يؤدي من على سطح البرج إلى البحر .
مواد البناء/
بني برج بوليلة بالمواد المتوفرة محليا والتي شيدت بها الاستحكامات المشابهة له وكانت مواد البناء مكونة من " الطين وحجر وجير وشهبة وغيره مما أشبه بذلك" والمقصود بالشهبة هي الشهبا الرماد يضاف إليه الجير فيكتسب صلابة . ويذكر ميلا نوفيتش في تقريره الذي سبق وأن أشرنا إليه بأنه " بسبب نقص الحجارة في البلاد فقد استعاضوا بمزيج من التراب والطين والصلصال ، مع جزء من الجير فيما يسمى ضرب الباب ... وقد بنيت كثير من الأعمال ... بنفس الطريقة ". إلا أن اساسات البرج قد شيدت بحجارة ضخمة لمقاومة أمواج البحر ، وهي حجارة رملية يبدو أنها قطعت من محاجز قرقارش .
وقد أجريت أعمال الصيانة والترميم على البرج في كثير من السنوات. إذ أجريت أعمال الترميم في فترة الاحتلال الإيطالي، ويبدو أنه في تلك الفترة تم تجديد الجسر الحجري الذي يوصل البرج بالبر وأقيمت أعمدة خرسانية في النتوءات الصخرية المتناثرة وأقيم عليها الجسر وفي الثلاثينيات من هذا القرن حدثت نوه بحرية أدت الى هدم الجسر وطمر الشاطئ الذي كان مستغلا كمصيف للإيطاليين واليهود وتم ترميم الجسر وبقي إلى نهاية الخمسينيات. وقامت مصلحة الآثار ببعض أعمال الترميم بالبرج في أواسط السبعينيات. كما أجريت عليه بعض أعمال الصيانة من قبل الشركة التركية، ثم قام مشروع إدارة وتنظيم المدينة القديمة وإدارة نادي باب البحر للغوص والرياضة البحرية ببعض أعمال الصيانة البسيطة.

وكلمة أخيرة عن هذا المعلم المشمول برعاية القانون رقم 3 لسنة 1424 ميلادية بشأن الآثار والمتاحف والمدن القديمة. إن هذا الأثر الذي أدى دورا مهما في الدفاع عن محروسه طرابلس وتصدى للأساطيل الأجنبية في حاجة ماسة إلى الأيدي المختصة سواء في مصلحة الآثار أو مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس _ والذي يدخل البرج ضمن اختصاصها_ لصيانته وترميمه، إذ أن نادي باب البحر للغوص والرياضة البحرية بإمكانياته المتواضعة لايمكن أن يقوم بذلك، ونأمل أن تتكاثف الجهود لإنقاذ هذا
اللإستحكام الذي قاوم الأساطيل