السفينة فيلادلفيا
القصة الكاملة لسفينة فيلادلفيا التي أسرها البحارة الليبيون في حرب السنوات الأربع ....
الأحداث الرئيسية التي تسببت في نشوب الحرب بين أمريكا وطرابلس 1801-1805
- في شهر أغسطس سنة 1796 م . أوقف البحار الطرابلسي مراد الريس (أسمه الأصلي بيتر ليزل Peter Lisle – أسكتلندي الأصل من أعنف القراصنة في ذلك العصر) ، أوقف في منطقة جبل طارق السفينة الأمريكية (صوفيا ) يقودها ( أوبريان O'Brien ) والذي كان يحمل إلى داي الجزائر مبلغا من المال . واقتيدت هذه الغنيمة إلى طرابلس ، ولكن يوسف باشا أطلق سراح هذه السفينة معترفا بجواز السفر الجزائري الذي كانت تحمله .
- استطاع السيد (جوئيل بارلو Joel Barlow ) وهو مقيما في الجزائر ، التوصل بسهولة أن يتفاوض من أجل اتفاقية سلام مع باشا طرابلس ، الاتفاقية بتاريخ 4 نوفمبر 1796 وقد كانت تلك المعاهدة متسامحة بفضل تدخل داي الجزائر حسن باشا ، بيد أن يوسف ندم فيما بعد على توقيعه على هذه المعاهدة ، وقرر أن يستعيض فيما يأتي مستقبلا .
- وصل القنصل الأمريكي (كاث كارت Cathcart ) إلى طرابلس بتاريخ 15 أبريل سنة 1799 م وقد كانت له بداية طيبة إلى حد ما ، إلا أن حادثا طفيفا قد عرض ، ثم سوي بفضل تدخل القنصل الإنجليزي ، وهو أن (أوبريان) كان قد وعد يوسف القرمانلي بالسفينة (صوفيا) عند التوقيع على اتفاقية السلام سنة 1796 م .
- فلما وصل (كاث كارت) على ظهر السفينة (صوفيا) إلى طرابلس ، قام يوسف باشا بالمطالبة بهذه السفينة ، ولما رفض كاث كارت ذلك ، فقد منعه يوسف القرمانلي من النزول . و وعد كارت أن يعطي السفينة ليوسف بعد مهلة تسعة أشهر ، ففاوض من أجل التصالح التالي :
- يدفع كارت ليوسف باشا مبلغ عشرة آلاف دولار ، ويضيف إليها ثمانية آلاف دولار أخرى كبديل عن السفينة ، وأربعة آلاف دولار كهدية قنصلية ، كما قُدمت أيضا بعض الجواهر للباشا بطريقة لبقة ، ووُزع مبلغ ألف وخمسمائة دولار أخرى على الموظفين ، عندها استطاع كاث كارت أن يستلم مهام عمله بصورة رسمية على صوت إطلاقات المدافع وهي تطلق احدى وعشرين إطلاقة ، واستطاعت السفينة صوفيا أن ترجع إلى تونس ، وهكذا تمت تسوية الخلاف 1799 م .
- في بداية سنة 1801 م . صدر الأمر للعميد البحري (الكومودو ريتشارد دال Richard Dale ) بمغادرة أمريكا بأربعة سفن حربية ، والتوجه إلى كل من الجزائر، وتونس ، وطرابلس على التوالي ، مصحوبا بمبالغ كافية من المال لتقديم الهدايا لمختلف الباشاوات ، وقابل هذا العميد البحري وهو في طريقه – مراد الريّس مع اثنين من كبار البحّارة الطرابلسيين ، وهم متربصون بالسفن التجارية الأمريكية ، وبتواجد مثل تلك الفرقة فإن البحارَين الطرابلسيين لما يغادرا جبل طارق إلا للجوء إلى الجزائر بعد ذلك بوقت قصير . أما بالنسبة (لريتشارد دال ) فإنه قد دلف داخلا البحر المتوسط رغم الشبهات التي أوحتها له سفن مراد الريس .
- قرر يوسف باشا بناء علي نصائح مراد الريس ، مهاجمة السفن الأمريكية . ففي خلال صيف 1799 م . سبق وأن ناصب يوسف العداء لكاث كارت بخصوص تسليم جوازات السفر ، وبالامتناع عن دفع ثمن البضائع المشتراة للقنصل ، وكان يشتكي من أن الأمريكيين لم يكونوا كرماء مع الطرابلسيين عند توقيعهم معاهدة 1796 كما كانوا مع الجزائريين والتونسيين .
- في أبريل سنة 1800 م عندما تراجع يوسف باشا في مطالباته السابقة ، صرّح إلى كاث كارت أنه يرغب في الحصول على سفينة تكون له كهدية . فرفض كاث كارت ذلك . وفي مايو ، صار يوسف أكثر تشددا وإلحاحا في مطالباته ، وكان كاث كارت يطمئنه بكل الإجابات الودية التي تعبر عن شعور الرئيس الأمريكي بالصداقة نحو يوسف باشا . فكتب إليه الباشا بتاريخ 25 مايو رسالة اختتمها على النحو التالي :
" إذا كنتم تكتفون بما تمالقوننا به من إطراء ومجاملة ، فإنه من المستحسن لكل منا أن يتصرف بما يناسبه، وأن يستعيد حريته الكاملة في التصرف والحركة . وعليه فإننا نرجو منكم إعطاءنا جوابا عاجلا ، دون إضاعة للوقت ، وإن أبسط تأخير من طرفكم سيكون أكثر إضرارا بمصالحكم " .
- ولما بقيت هذه الرسالة المتغطرسة دون رد ، فإن الباشا انتقل من القول إلى الفعل . ففي شهر سبتمبر سنة 1800 م . ارست سفينة من نيويورك ، وتعرضت خلال خمسة أسابيع للحجز والتعسف ، ثم أخلى يوسف سبيل تلك السفينة خشية من تطبيق المادة (12) من معاهدة 1796 التي تقضي في مثل هذه الحالات بالرجوع إلى داي الجزائر .
- في شهر فبراير سنة 1801 م . أعطى يوسف فرصة لكاث كارت ليختار بين السلم والحرب . كما طلب يوسف من جانبه إلغاء معاهدة سنة 1796 م ، التي ستستبدل بمعاهدة أخرى جديدة تلغي الرجوع إلى داي الجزائر ، وتشترط أن تدفع الولايات المتحدة مبلغ مائتين وخمسين ألف دولار ، تدفع مرة واحدة ، وضريبة سنوية مقدارها عشرين ألف دولار .
- وبذلك قد تأزم الموقف ، وقام يوسف باشا يوم 14 مايو بكسر سارية العلم الأمريكي ، والتجأ كاث كارت إلى ليفورن ، بينما اندفع مراد الريس إلى مهاجمة السفن الأمريكية .
حطم جنود يوسف باشا القره ماللي في 14 مايو 1801 سارية العلم الأمريكي أمام قنصلية الولايات المتحدة في طرابلس إيذانا بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وإعلانا للحرب ضدها في المتوسط.
بهذا الحدث بدأت حرب السنوات الأربع بين ولاية طرابلس والولايات المتحدة (1801 – 1805)، والتي حملت الكثير من المفاجآت التي لا تزال تجلياتها ماثلة في التاريخ الأمريكي حتى اليوم.
غضب حاكم طرابلس آنذاك، يوسف القره مانللي، مما عده مماطلة من قبل الولايات المتحدة في دفع أتاوة مناسبة نظير مرور سفنها في المتوسط بسلام، وهو واقع كان سائدا وتواصل في المنطقة منذ القرن السادس عشر حتى التاسع عشر، ما دفعه إلى المبادرة بإعلان الحرب.
الولايات المتحدة بدورها ردت بتوجيه أسطول بقيادة الأدميرال ريتشارد ديل، يتكون من4 سفن حربية في طليعتها الفرقاطة "يو إس إس فيلادلفيا" التي تحمل 44 مدفعا نحو السواحل الليبية ثأرا للإهانة التي وجهها إليها باشا طرابلس.
وأعلن حينها الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون أن الهدف من هذه الحملة البحرية يتمثل في تلقين "هذا العثماني الأبله درسا لن ينساه في فنون القتال.. وسنجعله نصرا مدويا ندشن به حقبة جديدة لأسطولنا".
وصلت سفن الأسطول الأمريكي إلى المنطقة وبدأت عملياتها العسكرية بحصار ميناء مدينة درنة وقصف سواحلها، كما صبت السفن الأمريكية حُممها على السرايا الحمراء في طرابلس، مقر حاكمها يوسف باشا، إلا أن حادثا جرى في 13 أكتوبر 1803 قلب مجريات الأحداث رأسا على عقب، حيث خرج ربابنة البحرية الليبية بقيادة الريس زريق في عدة مراكب شراعية صغيرة وقاموا باستدراج الفرقاطة فيلادلفيا إلى مياه صخرية ضحلة حيث علقت، وشُلت حركتها على بعد نحو ثلاثة أميل ونصف الميل من سواحل طرابلس.
حاول قبطان فيلادلفيا وليام باينبريدج تعويم الفرقاطة التي تعرضت في تلك الآونة إلى هجوم عنيف من زوارق البحرية الليبية، إلا أنه فشل في ذلك، فقرر وجنوده الاستسلام بعد أن ألقوا ببنادقهم في البحر وأعطبوا ما تيسر لهم، وبالمحصلة وقع 307 بحارا أمريكيا في قبضة باشا طرابلس الذي فرض على الضباط الإقامة الجبرية في القنصلية الأمريكية، فيما استُغل البحارة الآخرون في الأعمال الشاقة، وبقي الجميع في الأسر حتى نهاية الحرب.
استعر غضب الأمريكيين وسعوا بكل الوسائل إلى استعادة فيلادلفيا التي أطلق عليها يوسف باشا اسما جديدا هو هبة الله، إلا أنهم حين تيقنوا من استحالة المهمة، أرسلوا في 16 فبراير 1804 فرقة من 70 جنديا بقيادة الملازم ستيفن ديكاتور على متن " Tripolitanian Mastico"، وهي سفينة صغيرة كانت سيطرت عليها البحرية الأمريكية في وقت سابق قبالة سواحل طرابلس.
نجح البحارة الأمريكيون في خداع الحراس، ورست سفينتهم التي مُنحت اسما جديدا هو " USS Intrepid"، قرب فيلادلفيا، ومن ثم صعدوا إليها وأشعلوا النيران في أرجائها قبل انسحابهم، ولم يتبق منها إلا صاري ضخم انتزعه الليبيون ووضعوه فوق سطح السرايا الحمراء.
لم تنته متاعب البحرية الأمريكية عند هذا الحد. فبعد سلسلة من المعارك والاشتباكات التي لم تفض إلى نتائج حاسمة، لجأ الأمريكيون من جديد إلى السفينة "USS Intrepid" وملؤها بالمتفجرات وأرسلوها إلى ميناء طرابلس في محاولة لتفجير أسطول طرابلس، إلا أن قذيفة مدفعية انطلقت من الساحل أصابت هدفها ودمرتها وقتلت 5 بحارة أمريكيين من طاقمها، بينهم 3 ضباط، دفنوا في مقبرة شط الهنشير، شرق العاصمة طرابلس.
ولم يقف الأمريكيون عند هذا الحد، وحاولوا بالتوازي مع حصار طرابلس والعمليات العسكرية البحرية الأخرى، إزاحة يوسف باشا القره مانللي، وذلك باستمالة شقيقه الأكبر أحمد باشا المقيم في مصر، وهي مهمة تولاها وليم إيتون، قنصل الولايات المتحدة في تونس.
هؤلاء جردوا لهذا الهدف حملة برية من المرتزقة، انطلقت من مصر وتمكنت من احتلال مدينة درنة شرق البلاد، لتصبح أول منطقة تحتلها الولايات المتحدة منذ استقلالها.
بدوره، أرسل يوسف باشا قوات إلى المنطقة، ودخل الطرفان في مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاقية طرابلس في 10 يونيو 1805، انسحب الأمريكيون إثرها من درنة، وتبادل الجانبان الأسرى، والتزمت الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية مقابل عدم التعرض لسفنها، وسددت آخر مبلغ لهذا الغرض عام 1812
الأمريكيون، أقاموا نصبا تذكاريا لقتلاهم في حرب السنوات الأربع أطلق عليه اسم "نصب طرابلس"، وهو مكرس لخمسة بحارة سقطوا في تفجير السفينة "USS Intrepid" وسادس فارق الحياة في الأسر.
ويزين حاليا هذا النصب الذي شُيد في عام 1806 مقر الأكاديمية البحرية في أنابوليس بولاية ماريلاند بعد أن نُقل من العاصمة واشنطن عام 1860.
تركت تلك الحرب آثارها في تاريخ البحرية الأمريكية، ولا يزال نشيد مشاة البحرية الأمريكية يُذكر الولايات المتحدة بهذه المغامرة الفاشلة من خلال مقطع يقول: "من قاعات مونتيزوما (قصر بالعاصمة المكسيكية) إلى شواطئ طرابلس نحن نخوض معارك بلادنا في الجو والأرض والبحر".
المصدر :-
-" نقلا عن موقع تلفزيون روسيا بالعربي بقلم محمد الطاهر "
و الآن نأتي إلى كلمات نشيد البحرية الأمريكي حيث يقول
From the Halls of Montezuma
To the shores of Tripoli;