ايتالو بالبو ..... وليبيا
ايتالو بالبو ..... وليبيا.....
عندما تصاب ذاكرتنا الوطنية بالعطب......
تستبدلون الأدنى بالذي هو خير....
**********************************
كم يؤسفني ...بل و يؤلمني- الانحدار و تشوه ذاكرتنا الوطنية الذي اصاب بعضنا حتى نتجرأ على وصف مارشال الجو الفاشستي ايتالو بالبو بأنه "مؤسس ليبيا الحديثة"....
عقود طويلة من الاعتداء على ذاكرة الوطن و النيل من رجاله الذين ضحوا بكل شئ من اجله وانكارهم وطمس دورهم....ترك فراغ هائل في ذاكرتنا الوطنية يحاول البعض ملئه بخرّاف لا يمت للحقيقة بشئ ولم اجد له ذكر بهذا الشكل في المراجع الاكاديمية الايطالية او غيرها .... ومع هذا نجد المئات من الليبيين يتلقفونه ويثنون عليه و يكررونه بجهالة و بدون محاولة للتحقق منه. ابسط بحث على النت قادر على ان يزيح اي ضبابة على من غشي بصره.
تشوه الهوية الوطنية و تغييب رجال الوطن يدفعنا للبحث عن بديل حتى بين صفوف جلاّدي اجدادنا من المستعمرين. وصل التدنّي و السقوط الى درجة اختلاق انجازات لبالبو (في التعليم و الدين مثلا) يدّعون انها كانت لصالح ليبيا او ان طائرته اسقطت لأنه كان يحب ليبيا و يخدم الليبيين.
فمن هو المارشال بالبو؟ و ماذا صنع لليبيا؟ و ماذا قدم للشعب الليبي؟
1- ايتالو بالبو هو احد الأربعة المؤسسون لحركة الفاشية الذين عرفوا (Quadrumviri del Fascismo). كما كان احد المؤسسين لحركة "القمصان السوداء" (Camicie Nere) التي كانت مليشيات مسلحة مارست اغتيالات ضد الخصوم في ايطاليا و كان لها تاريخ دموي في ليبيا. هو شخصيا متهم بقتل احد الخصوم السياسيين و تصفيته بنفسه و مقتل قسيس ايطالي ايضا.
2- بالبو كان حاكم ليبيا الايطالية 1 يناير 1934 - 28 يونيو 1940...(قرار تنصيبه كان في نوفمبر 1933) و انتظر حتى صدور قرار توحيد ليبيا المرتقب الذي لم يكن قراره بل قرار وزارة المستعمرات و البرلمان الايطالي. كما كان بحكم هذا المنصب القائد الأعلى للقوات الايطالية في شمال افريقيا.
ايتالو بالبو لم يكن مهتم بليبيا قبل ذلك و كان اكثر اهتمامه بتطوير سلاح الجو الايطالي - الذي نصب على رأسه بلقب "مارشال الجو الايطالي" - وكان يسعى ان يكون خليفة موسيليني الأمر الذي اثار خوف موسيليني منه و من تزايد شعبيته على حسابه - فابعده عن ايطاليا بتنصيبه حاكم على ليبيا. بالبو وجد ضالته في هذا المنصب كي يحصن نفسه من تدابير موسيليني ضده و بدأ يبني امبراطوريته الايطالية في الشط الرابع على حساب الليبيين.
3- ايتالو بالبو - كان وسيم المظهر و مرح الشخصية - و عرف بحب النساء و المجون - فكان موسيليني يجند العيون للتجسس عليه و تسجيل المكالمات و اخذ الصور لحفلات المجون المليئة بالخمر و النساء - في ايطاليا و في ليبيا ايضا .....
4- ايتالو بالبو رغم انه كان فاشستي الاعتقاد الى يوم موته - الا انه كان رافض للدخول في الحرب العالمية الثانية...لذلك كان بالبو بالنسبة للطليان "افضل جنرالات موسيليني- و لكنه لم يكن ملائكة.
5- ايتالو بالبو حكم ليبيا بعد انتهاء حركة الجهاد على يد الجلاد غراتسياني- لذلك كانت فرصة البناء اكثر من ذي قبل. كما ان بالبو كان له قدرات واهتمامات سياسية و ادارية و ليس فقط اهتمامات عسكرية.... لذلك انخرط في حملة تعمير في ليبيا لتحويلها الى الشط الرابع للمستوطنين... ولكن القول بأن اغلب ما بناه الايطاليون في ليبيا كان في عهد بالبو فهو غير صحيح اطلاقا. و لكن عهده شهد تسارع في حركة التعمير الضرورية لمشروع الاستيطان الايطالي.
السؤال الذي يجب ان يسأله من يتغنون في بالبو و يصفونه بأنه مؤسس ليبيا الحديثة - لمن عمّر بالبو تلك المباني و المنشاءات؟ لليبيين ام للطليان؟ و من كان اصحاب الأرض و كيف اغتصبت منهم؟ ومن كان القوة العاملة -طليان ام ليبيون؟
6- ايتالو بالبو كان همه الأكبر توطين الايطاليين -خاصة طبقة الفلاحين - و هو من قاد حركة الاستيطان في أوج مراحلها خاصة في برقة....و كان اهمها مشروع العشرون الف (Ventimilli) الذي اشرف عليه شخصيا و مشروع المستوطنات الذي انشئ على الأراضي المغتصبة من قبائل العرب اثناء حقبة غراتسياني التي هجرت من اراضيها في البطنان و الجبل الأخضر و زج بهم في المعتقلات. في عهد بالبو تم انشاء 13 مستوطنة زراعية في اقليم طرابلس و 18 مستوطنة في برقة...لم يكن هذا حد المشروع فكان يهدف الى توطين نصف مليون ايطالي في برقة وحدها. هل سأل الذين يطبلون لبالبو ممن اغتصبت اراضي الاستيطان؟.
7- اهتمامات بالبو العسكرية - و ان قلّت- كان منها مشروع تأسيس قوات المظلات الخاصة التي مثلت اول قوات مظلات في العالم و ذلك في مطار طرابلس الذي كان يسمى قلعة بنيتو (اي بنيتو موسيليني).
نعم تلك القوات كانت الرائدة في ذلك السلاح و لكن كانت على حساب المظليين الليبيين الذين كثرت بينهم الاصابات الخطيرة و الموت نتيجة تجارب المظلات البدائية.
اما المشروع الثاني فكان اسواء وهو تجنيد الليبيين للقتال في حرب الحبشة. بعض المراجع العسكرية الايطالية تقول ان ارشادات بالبو نفسه كانت عدم التجنيد الاجباري و لكن استعملت الحوافز المادية ولكن هناك دلائل على انه تم التجنيد الاجباري على الاقل في مرحلة الحرب العالمية. لم يذهب الليبيون للحبشة للانتقام ...علما بأن المجندين الذين حاربو في ليبيا كانو ارتريين و صوماليين و ليسوا احباش الا القليل جدا.
كما ان سلاح الجو الذي اسسه بالبو وكان مرشاله هو نفس سلاح الجو الذي ارتكب جرائم في احتلال الكفرة و نفس سلاح الجو الذي كان يلقي القنابل الكيماوية على الحبشة و برقة وكان يبيد الليبيين ونفس السلاح الذي كان يتتبع قوات المجاهدين في الجبل الاخضر تحت قيادة المختار و يلقي القنابل عليهم و على القرى و النجوع.
8- الاسلام و ايطاليا: سياسة ايطاليا الاستعمارية كانت منذ البداية تحاول الظهور بإحترام الدين الاسلامي حتى تكون مختلفة عن باقي الدول الاوروبية الاستعمارية خاصة فرنسا و بريطانيا. و لكثير من النشطاء و الفلاسفة الطليان امثال انريكو انساباتو دور هام في ذلك. الحركة الفاشية كانت لها اختلافاتها الجذرية مع الكنسية كما ان حركات التبشير الدينية المسيحية كانت تعم ليبيا اثناء الدولة العثمانية و قلّت اثناء فترة دخول ايطاليا و لا علاقة لبالبو شخصيا بالأمر اذ كان الامر سياسة ايطالية مستمرة و نعرف قصة "سيف الاسلام" الذي اعطي لموسيليني و اعتباره "حامي الاسلام". حركة الاستيطان التي تزعمها بالبو كان على رأسها دعم الكنيسة الكاثولوكية لها - و نرى صورة القداس الكبير الذي تم في استقبالهم في ساحة الشهداء في طرابلس. كما انه لا حقيقة في القول ان بالبو شيد المساجد. كان هناك بعض المساجد التي تم بناؤها خاصة في القريتين اللتان خصصتا لليبيين (اغلبهم من المجندين مع الطليان) و اصلاح بعض المساجد الاخرى تعويض عن عشرات المساجد التي اغلقت و صودرت لصالح مشاريع الاستيطان. فأين هي تلك المساجد؟ اذا كنا نرى كل هذه المباني فأين هي المساجد في المدن الليبية الكبرى؟ نعم كان هناك بضع مساجد ملحقة بمعتقلات الابادة مثل المقرون و سلوق و بعض المساجد في طرابلس مثل اعادة بناء مسجد سيدي احمودة في العشرينات وكانت لأسباب و دوافع سياسية. جميعها لن تصل لتعويض 10٪ فقط من عدد الزوايا و (المساجد)التي هدمت و صودرت.
10- ايطاليا و اللغة العربية و التعليم: اول اعتراف رسمي لايطاليا باللغة العربية في المدارس كلغة رئيسية كان في المنهج الدراسي اثناء فترة الصلح مع السنوسية الذي تم نتيجة معاهدة الرجمة.
ذلك المنهج خصص للغة العربية نفس الوقت مثل اللغة الايطالية و كان ذلك منذ العشرينات - كما اكد على عدد حصص الدين و القرآن. اي قبل بالبو بكثير.
المقياس الحقيقي لحركة التعليم لليبيين تحت حكم بالبو هو تقرير منظمة اليونيسكو اثناء فترة الادارة العسكرية البريطانية (في الاربعينات) الذي اظهر تفشي الأمية و الجهل و الامراض -مثل التراكوما- بين الليبيين. وان خريجي الجامعة من الليبين كانو 12 فقط اغلبهم درس على حسابه الخاص في مصر و تركيا و اثنان فقط في ايطاليا. ليبيا اعتمدت بعد الاستقلال على المدرسين من مصر.
10- ايطاليا و توظيف الليبيين: في كل فترات الحكم الايطالي - كان يمنع الليبيين من اغلب الوظائف الادارية - بحكم قلة تعليمهم و كذلك لتوفير العمل للإيطاليين لتشجيع حركة الاستيطان. و نعرف العدد القليل من الليبيين الذين كانوا في وظائف اثناء الحكم الايطالي. تقارير الادارة البريطانية توضح اعتماد طرابلس خاصة على الموظفين و الاداريين الطليان مما شكك في قدرة الليبين على ادارة دولة مستقلة. كما كان يمنع ترقية اي ليبي الى منصب يترأس فيه ايطالي حتى و ان كان الليبي اكثر كفاءة - كان ذلك حتى في الجيش حيث ان اي ليبي يرتقي الى مرتبة ضابط او ضابط صف لا يأتمر على جندي ايطالي.
11- اذا كان المقياس الوحيد البناء - فنعرف جيدا لماذا الاحتلال الأجنبي سمي "بالإستعمار" لانه يعمّر تلك المناطق لصالح شعوب الدول المستعمِرة و ليس لصالح الشعوب المحتلّة اراضيها. تماما كما يستعمر الصهاينة فلسطين لتصبح اسرائيل.
سبب التباين الذي اظهر العمران الايطالي في ليبيا هو ان تركيا -وبعد خمسة قرون من الاحتلال لليبيا- تركتها صحراء جرداء و اهلها فقراء يضربهم الجهل و المرض ولم تبني الا قلاع الجندرمة لتمكين جمع الاتاوات. ايطاليا عمرت ليبيا من اجل الطليان ...فلا يمكن ان ينجح مشروع استيطان بدون بناء المؤسسات العامة و قرى الاستيطان. بالبو استعمل العمالة الليبية الرخيصة في البناء كما استعمل غراتسياني و بادوليو قبله العمل الاجباري للمعتقلين في البناء و شق الطرق (ارجو الرجوع الى قصيدة رجب بوحويش ما بي مرض غير دار العقيلة لمن خانته الذاكرة الوطنية).
نعم بالبو كان افضل من غيره من الفاشست المستعمرين و لكنه لم يختلف عليهم في تفضيل الايطاليين و نهب حقوق الليبيين من اجل توطين الغرباء. ليصبح الليبيون غرباء في وطنهم عبيد لاسيادهم الطليان و جنود لهم في مغامراتهم العسكرية ...يقتلون اولاد الليبيين و يستبيحون نساؤهم....
ثم ان بالبو لم يمت في عملية قتالية ....
بالبو كان عائداً من مهمة استطلاع و اسقطت طائرته -كما في التقرير الرسمي- بنيران المدفعية الايطالية خطاءا. ولكن اغلب المحللين يرون انها كانت عملية اغتيال مدبرة من موسيليني لاسباب كثيرة منها شعبية بالبو في ايطاليا و معارضته للحرب العالمية الثانية.
المرفقات
الصورة : خريطة شمال برقة توضح المناطق (المنقطة) التي "اخليت" (sgomberati) من السكان" كما توضح بعض المعتقلات التي نقلو اليها (الدوائر السوداء).
الصورة : ايتالو بالبو يشرف بنفسه على استقبال المستوطنين الطليان في مستوطنة البيضاء الليتوريو.
الصور: مكانة الليبي في دولة بالبو - يخدم على راحة المستوطن الايطالي الذي سرق ارضه (نوفمبر 1938). او ينظر عن بعد حافي القدمين - ليس له الا ان يرحب بمغتصبي ارضه (طرابلس 1939).
الصور: تعميد قرى الاستيطان بتمثال السيدة العذراء و الصليب (1939).
الصورة : افتتاح قرية الفجر (البا) -رأس الهلال- للسكان الاصليين - قرية صغيرة جدا و الاراضي بها صغيرة جدا - لم تجد اقبال من الليبيين الا من اسر المجندين في اغلبهم.
الصور: اطفال الليبيين - كثير منهم ايتام الليبيين الذين قضوا في المعتقلات او من الفقر - يتم تدريبهم في "شبيبة الليتوريو العرب" الذين شكلوا اهم مصدر للتجنيد العسكري في حرب الحبشة و الحرب العالمية. علما بان التجنيد الاجباري طبق رسميا على الليبيين مع دخول ايطاليا الحرب العالمية.
راجعوا الصور و الاشرطة لتلك الحقبة لمراكز المدن و القرى و المزارع فلن تجدوا بها الا الايطاليين. اما الجنود فستجدون اغلبهم ليبيون يترأسهم ضباط ايطاليون. هل هذه ليبيا الحديثة التي تتحدثون عنها؟.
صورة طفل ايطالي يقف امام اللافتة التي مكتوب عليها رقم الارض المخصصة لأسرته. هل ورثها عن جده يا ترى؟.
الصورةلمعتقل سلوق الذي اغلق في 1933 قبل قدوم بالبو- و واحد من 16 معتقل ابادة لسكان برقة الذين سلبت اراضيهم لتصبح قرى الاستيطان التي بناها بالبو. لماذا لم يعيد بالبو لليبيين اراضيهم وحقوقهم؟.
ملاحظة و تساؤل:
اذا كان بالبو القائد الفاشستي استحق عندكم لقب مؤسس ليبيا الحديثة لأنه أشرف على بناء عشرة منشاءات و مباني حكومية -او حتى عشرون او ثلاثون - لصالح الحكومة الايطالية في ليبيا - و عشرون قرية زراعية لصالح المستوطنين الطليان - و شق الطرق -بالعمالة الليبية- من اجل المستوطنات و المجهود الحربي فالليبيون لا يقودون السيارات و لا يركبون حتى الحمير في عهد بالبو.
فإتقوا الله في امتكم و وطنكم و اجدادكم المجاهدون و في انفسكم و تاريخكم...
ولا تتركوا لاولادكم واحفادكم ذاكرة وطنية و ارث وطني مخدوش ومشوه .