من كتاب الصحراء وبلاد السودان تاريخ مهم لبعض القبائل الليبية
من كتاب الصحراء وبلاد السودان تاريخ مهم لبعض القبائل الليبية
..................................
جوستاف نختجال الألماني بدأ رحلته إلى أفريقيا سنة 1862 وهدفه شيخ البرنو،واكتشاف أفريقيا،وانطلق في رحلته في 18 فبراير 1869 من طرابلس إلى برنو عن طريق فزان على طريق الصحراء الكبرى،عرج على تيبستي وبركو وكانم وباجرمي ورنجا..
وغادر سنة 1971 في رفقة أولاد سليمان:وهي جماعة بدوية عربية ذات نزعات قرصانية واضحة،وارتحل معهم صوب الشمال الشرقي نحو الصحراء الكبرى،وبركو جنوب تبستي..والتقى في رحلته بشعوب أخرى كثر كالتدى والدازا والبايلي والزغاوة والمحاميد والطوارق والتبو وبعض العرب،ووصف أشكالهم وحياتهم ولغاتهم..
-وسأنقل لكم باختصار ما ذكره هذا المؤرخ الألماني عن حياة العرب الذين هاجروا من ليبيا إلى أرض كانم وبشا وبحر غزال وعقي وغيرها على حسب ما كتب المؤرخ
-والغرض تسليط الضوء على جانب آخر من حياة الليبيين في أقصى افريقيا بين الشعوب هناك،وكيف حافظوا على مكانتهم وتاريخهم وعاداتهم حتى رجع بعضهم لأرض الوطن وبعضهم لا يزال هناك..
-ومن قرأ شيئا لا يقتنع به فاليعلم أني ناقل ولست كاتب
وهذا التاريخ سننقله لأبنائنا وأحفادنا.. بإذن الله
▪︎قال نختجال:سرنا في 30 مايو صوب الجنوب الغربي،فلتقينا بالأمير دنوما البرناوي،واختلفوا ماذا سيقدمون له من الهدايا،فالحاج حميدة بصفته أحد أفراد البيت الملكي في البرنو لم يقدم هدية،والحاج بوهادي من قبيلة أولاد وافي كان بدوره بحكم أنه من المرابطين لم يقدم هدية وكذالك الحاج زلاوي وبوصرمي من التبو لم يهدوا شيئا،أخيرا توسل الحاج عبدالرحمن الأوجلي والحاج محمد المجبري من جالو بالميزة القديمة ان لا يقدموا شيئا للمرور إلى منطقة كوار،ولأجل الإستقبال لنا بحفاوة لم يكن على أبو عائشة وعلي إلا إهدائه شيئا من الثياب وغيرها..ووجد هناك زاوية للسنوسيين عليها ولي شريف يحمل مسبحة تتدلى بين أصابعه..ثم غادرنا إلى قرو ثم بيلما،الذي يوجد بها أكبر تجمع للطوارق،فهم منظمون حربيا،ويصدرون أضخم الكميات من الملح،وفرضوا سيادتهم على كاوار،وكانوا قليل ما يسمحون للأهالي بالعمل..
ثم واصلنا المسير في 27 يونيو حتى بلغنا بئر آزي،التي تقع بالقرب من بحيرة تشاد،التي وجدنا عندها آثار للفيلة والزراف-فسقينا منها الأبل وغادرنا خوفا من أي إغارة من الطوراق لأنهم دائما ما يجعلون من الجهة الشمالية للبحيرة غير آمنة...
وفي 6يوليو 1870 إلتقينا في مدينة كوما بعد حين أعيان العرب والأجانب بالمدينة،وكان من بينهم بوعلاق المسن،الزعيم الفعلي لعرب الشمال الذين يعرفون (بالوصيلي) لتميزهم عن الشواء عرب السودان،وكنت أعرفه جيدا هذا بوعلاق من تقارير (بارت) فهو من أولاد سليمان الأقحاح، وقد أبدل من حياة النهب العيش المسالم،ثم ذهبنا للشيخ عمر بن الحاج محمد الأمين الكانمي،ثم بعدها ألتقيت في كوكا الشريف أحمد المدني وكان من المسلمين المتزمتين والمتعصبين..ثم ذهبنا إلى أرض البرنو..
▪︎ففي سنة 1870دخلنا مناطق البرنو،ثم قمنا بزيارة (لينو)للتجهيز للرحلة نحو بحيرة تشاد،ظهر أثنان من الشوا من قبيلة (السلامات)
يحملون أخبار مزعجة من (وداي) وأن هناك حركة مريبة وتجهيزات وعلى الأرجح أنها إحدى الحملات ضد (الدزا) في بحر غزال،وفي نهاية يناير وصلت قافلة تخص عرب كانم الذين لا يجنحون إلى الراحة،جالبين معهم 100 جمل وهي حصيلة آخر غزوات نهبهم للتبو
والبديات والمحاميد وعرب وداي،وهؤلاء الذين أتو كانوا تقريبا جميعهم من (المغاربة) والممثل الوحيد لقبيلة أولاد سليمان كان (هزاز بن بوعلاق)،فأعجبني هؤلاء الناس غاية الإعجاب رغم سمعتهم السيئة،وكانت لي أحاديث طويلة مع (هزاز) خاصة عن كانم وبحر غزال وبوركو، حازت بالغ اهتمامي،وكانو يزمعون على التوجه (لبوركو) التي يعتبرونها من أملاكهم كي يقوموا
بجني مواسم التمر..عندها فكرت فورا في الإنضمام إليهم....
ومن هنا تبدأ رحلته مع أولاد سليمان خصوصا في بحر غزال وبحيرة تشاد إلى تبستي وما حولها...تبعوني
▪︎قال المؤرخ:إن #أولاد سليمان الذين عزمت على مشاركتهم حياتهم،قد أفعموني باهتمام بالغ ودهشة وإعجاب،بسبب دورها الذي استطاعت أن تلعبه في ديارها القديمة،والتحولات التي أحدثتها فوق الأراضي الغربية وسط الصحراء الكبرى وبلاد السودان،والموطن الأصلي لأولاد سليمان يقع في فزان ومناطق خليج سرت الكبير،ففي الشتاء يرعون قطعان إبلهم قرب الساحل،وفي الصيف يرحلون إلى فزان لجني التمار من بساتين النخل التي يملكونها،وهذه القبيلة تتألف من الجباير والميايسة والشريدات والهيوات،ولم يكن عددهم بالكبير مطلقا،ولم تكن قوتهم الحربية لتصل إلى 1000فارس أبدا،إنما ترجع هيبتهم وقوتهم وصلابتهم إلى عظمة زعمائهم والإخلاص الفروسي الذي لطالما وقفوا به مع جيرانهم الأضعف من القبائل والذين يحالفونهم..
-ثم ذكر حروب حدتث داخل القبيلة وكذالك شن حملة على ترهونة بقيادة سيف النصر،ومن هنا ذاع صيتهم وصارت لهم تحالفات مع باقي القبائل وأشهرها الجوازي،ثم حدتث حملتين ليوسف باشا وإبنه محمد على هذه القبيلة حتى جردها من السلاح ثم اختفت لما يقرب من عقدين..ثم قام عبدالجليل بخمس حملات شارك في أربعة كفرد وقاد واحد بنفسه في بلاد السودان وكانم،وعندها إستعادت القبيلة حيويتها وتحالفت مع حلفائها القدامى (ورفلة)
فاحتل كل البلد حتى بن وليد،واستمرت سيطرته مدة أثني عشر عاما،ثم قام العثمانيين بإصابته في المعارك إصابة بليغة،فجمع حوله كبار قبيلته وأوصاهم أن ينجوا من العثمانيين الذين لا يعرفون الصفح،ويذهبوا لوطن جديد في أراضي التبو التابعة لبوركو،حيث التمر الوفير والمراعي الغنية بالقرب من بحر غزال..
فذهبوا إلى بركوا ثم غادروه وتصادموا وقاتلوا كل القبائل القاطنة بين بحيرة تسادي وتخوم تبستي،وما بين البرنو إلى لوادي،كل ذالك بقوة لا تزيد على 500فارس،وزد عليها إلتقائهم ببني وطنهم المغامرين المتعطشين للسلب والنهب من تخوم طرابلس ومصر وفزان الذين انضموا إلى مغامراتهم كورفلة والقذاذفة والفرجان والجوازي والمقارحة..حتى طمعت أعينهم أي اولاد سليمان نحو الطوارق نظرا لأفضلية جمالهم وإبلهم..وهنا حدتث المأساة لأولاد سليمان.....
▪︎قال المؤرخ:كان الطوارق يفوقون باقي القبائل التي تغلب عليها أولاد سليمان بمراحل،فجهزوا عام 1870 قوة تضم 700 مقاتل من الخيالة والهجان وتقدموا نحو كانم،وكان أولاد سليمان قد انخفضت قوتهم إلى النصف بعد عودت حلفائهم إلى ديارهم،هنا هاجم الطوارق التجمع الذي هو محاط بزرب أشواك،ولم يستطع الضحايا الوصول للسلاح ولا للخيل،وسرعان ما تحصل العدو على النصر الكامل،ولم ينج منهم سوى حوالي عشرون فارسا،ومن عائلة الزعيم سقط سبعة رجال بمن فيهم محمد بن عبدالجليل الذي كان شيخا حينها،ولم يمس الطوارق النساء بسوء،ومن وقع في الأسر رد بدون فدية..
هنا أخذت حكومة برنو وقتذاك بقايا القبيلة وزودتهم بالسلاح والجياد ليحرسوا الحدود من الوداي،وضم الشيخ عمر برناوي إليه غيث الصغير الذي آلت إليه مرتبة الزعيم بعد موت محمد ليضمن إخلاصهم له..
وبعد تعافيهم أبرموا سلما مع الطوارق،وغنمت من جديد أكثر وأكثر في كانم وفرضت سلطانها على (بركو)،ولم ينقضي عقد من الزمان حتى طالبت أولاد سليمان وحلفائها بحكم (وداي) وقاموا بحملة ضد الملك وفشلت،ثم أصبحت غزواتهم أبعد توغلا وأكثر إزعاجا حتى شوهدوا في (شمال دارفور)
وبوعلاق الكهل الذي عرفناه أصبح عضو مجلس لدى بلاط (كوكا) تحت قيادة زعيمهم عبدالجليل بن محمد بن عبدالجليل،الذي تولى الزعامة بعد موت غيث المبكر.
فأولاد سليمان نزحوا بكل عوائلهم،(والمغاربة) الذين تحالفوا معهم واكبوهم حبا في المغامرة وتلهفا على النهب وقد قدموا منذ نحو أثني عشر عاما من شمالي شرق طرابلس إلى غرب كانم،تاركين خلفهم أزواجهم وأطفالهم وتزوج بعضهم من البديات والدزا حتى نسوا تماما العودة إلى ديارهم...
هؤلاء(أي اولاد سليمان) الذين كنت على وشك ملازمتهم لفترة طويلة،فحملت معي الهدايا لزعيمهم عبدالجليل، كالحلة التشريفية وشال من الصوف، وأشرطة حرير عريضة،وكذلك لرفيق سفري (هزاز=احزاز)وانطلقنا إلى ديارهم في سنة 1871......
▪︎قال نختجال:في 20 مارس 1871 سلمني الشيخ عمر في لقاء مهيب إلى (هزاز) دليلا لي يتحمل مسؤليتي،ثم انطلقنا فعبرنا نهر(كمدقو)
وحقول (قنقرام) حتى وصلنا قرية (بيلا قنا) ثم (نقيقيمي) وفي 2ابريل عسكرنا في حوض صقر عند مقاطعتة شيتاتي،التي يقتسم نجوعه أولاد سليمان مع قبيلة (قايدو)..ثم انطلقنا قبل انبلاج الصبح إلى قرية تسمى (قرية المعلم) التي يسكنها الكنمبو،فكان على المغاربة الذين يقع مركزهم الرئيسي لرفاقهم في إقليم(ليلوة)
الذي يقع شرق شتاتي أن يفارقونا..
هنا ودعت المغاربة وداعا حميما،الذين بقدر ما أتاحت لي حالتي المرضية معرفتهم فقد كانوا قوما أجلافا،وودودين معي..وما أن شرعنا في ذالك حتى أدركنا بعض فرسان (الميايسة) الذي نزلو بالقرب منا،وفي الصباح 7أبريل ركبت مع هزاز للوصول إلى (الجباير) ولتحية الشيخ عبدالجليل وابن عمه محمد،وهم منقسمون لعدة فرق،وفي حال الإضطرب في الأمن تعسكر القبيلة في دور واحد.
-ومن عشائر أولاد سليمان التي ذكرناها (الميايسة) والتي كان أبرز رجالها (بن جويلي)الذي له صداقة قديمة بالجباير رغم أنهم لا يرعون سويا-والعشيرة الثالثة والأعظم عددا بكثير (الشريدات) وزعيمها الفعلي أحمد الجزيعة والذي سلم راية الزعامة لأبنه الذي لا ينازعه فيها أحد الذائع الصيت (الأسود) وهذه العشيرة غالبا ما تعمل لوحدها،أما (الهيوات) فبعضهم بقى في طرابلس الغرب،وبعضهم عاد إلى هناك أي فزان،وبعضهم بقى مع ابناء عمومتهم وخاصة الشريدات..وبجانب هذه العشائر من أولاد سليمان ثمة أفراد من قبائل أخرى من طرابلس الغرب (كورفلة) (والقذاذفة)(والرياح) وهلم جرامتناثرين دون نظام معين في مجموعات متعددة، وكذالك المقارحة هنا في أوثق الصلات مع من كانوا في عداء معهم في فزان
-ويعسكر عبدالجليل سيف النصر مع أقرب الأقربين والأتباع حوالي كيلو مترين منا بجانب بئر (بركة) المركزي، وحول بيتهم حصائر التبو وخيام بيضاء للتجار الشماليين من البرنو ولم تختفي خيام الوبر التي يستخدمها بدو طرابلس من معسكرات اولاد سليمان مما شكل صورة جذابة....
-ثم سيذكر زيارته له وكيف استقبله ومن كان معه وبعض صفاته والبارزون من أبناء عمومته،ثم يذكر حملة لأولاد سليمان والمغاربة على (البديات)وبعض القبائل الأخرى..وكيف تم أسر عدد من المغاربة وأولاد سليمان...
▪︎قال نختجال:في الصباح الباكر في 7أبريل ركبت مع (هزاز) لزيارة عبدالجليل،فخرج من خيمته يصحبه أخو زوجته،(إبراهيم بوخنجر)
إلى شجرة هجليج جلسنا في ظلها قليلا،فحييته مقدما له هديتي المتواضعة التي هي عبارة عن طربوشا تونسيا،وشريطا مجدولا من خيوط الحرير والذهب،مثل تلك التي يفضلها العرب البارزون،وقدمت له خطابات توصية من السيد (قاقليوي)..وقد كان رجل قويا يبلغ نيفا وعشرين عاما،ذا بنية معتدلة رائعة،بلون بشرة تقابل اللون البني الأسمر،وبتقاطيع عربية رفيعة
للغاية،وبتعابير لا تنم عن طيبة قلب،وكانت والداته مزيج من (اولاد حامد قبيلة عربية أصيلة) و(الكريدة من قبيلة الدزا)،فطمأنني أنه لن يصيبني أذى في نفوذ أولاد سليمان،وتناولت معهم العيش ولم يشارك عبدالجليل،ثم انسحبت وفي طريق عودتي ألتقينا (بوعلاق)والد (هزاز) فقد كان كهلا عربيا عظيما بسيطا واثقا من نفسه ومهيبا،وفي نفس الوقت كان حفيا يوحي بالثقة،فتخليت عن فكرة البقاء بالقرب من عبدالجليل،لما سمعته في كوكا عن (بوعلاق) بأنه أفضل وأعظم الرجال شرفا بين أولاد سليمان،فنقلت خيمتي إلى جواره مباشره
-وبالإضافة إلى (هزاز) لديهم ولد أصغر يقال له (نجم) وهو في الثامن عشر وكأنه ليس بذكي ولا بالطيب القلب،وكان لهم رجل يخدمهم اسمه حسين بوقماتي..
وما كدت أقضي أياما حتى صارا الجمع في حالة إثارة بوصول مبعوث من حاكم (وداي) اتى بدعوة لأبرز رجال القبيلة (بوعلاق-وبن جويلي-والأسود) لزيارة الملك عند بحيرة (فتري) فقد كان الملك يسعى لربط علاقات ودية مع قطاع الطرق مهابي الجانب الذين لو وجدا فرصة لأفناهم،لأنه ما كاد أخوه ان يستهل الحكم في جهة الشمال حتى هاجمه العرب بقوة السلاح،وكانوا أكثر أعداء بلاده اذى ومهابة ويكبدون خسائر فادحة لقطعان وقوات (المسيرية-وأولاد حامد-والقرعان-والبديات) بصورة متصلة-وفي إحد المرات اسر نيفا وعشرين عربيا من أولاد سليمان (والمغاربة) وكانوا في حملة على (البديات) التابعين لسطان وداي،فأرسل الأسرى لأهل دون أن يصيبهم مكروه،بينما أعدم من معهم من الدزا..
-وأثناء سفر المندوبين إلى بحيرة فتري توجب على (شرف الدين) وهو أحد ابرز رجال القبيلة نزولا عند رغبة الملك أن يذهب للطوارق الجنوبيين ليرتب معهم معاهدة لحماية السكان الشماليين من غزوهم السنوي لتلك المناطق..
-وسيتحدث لاحقا عن فتوى السنوسية بتكفيره وتكفير الجباير وهزاز الذين آووه،والخلاف في رده للبرنو،وكذالك رحيل القبيلة من الجهة الغربية لبركو،ورحيل قبيلة المغاربة من الجهة الشرقية لها، وأخبار فزان وغزو ورفلة لطوارق كيلوة بسبب هجوم إخوانهم على أولاد سليمان
في تشاد...
▪︎قال جوستاف:ظهر (بوعلاق) مكلفا من عبدالجليل بإقناعي بالعودة إلى برنو،وذالك بسبب مبعوثان من الطريقة السنوسية المتشددة ،الذين عزموا على بناء زوايا,وهم يريدون ضمانات من أولاد سليمان لأمن أتباعهم،فاتخذ (احزاز) موقفا ثابتا واعترض،وخلال هذه المدة تعرفت على الزعيم المعروف والمخيف (حلوف)زعيم قبيلة (القايدو)
-وعندما بدأنا في التحرك يوم 24أبريل كان (المغاربة) قد انطلقوا من مقرهم المستديم في مقاطعة (ليلوا) متخذين دربا شرقيا أكثر يمتد بالقرب من (بحر غزال)،وعند اليوم الاول بدأت الجلبة من الليل،ومع الصباح حملت الجمال النساء والأطفال،وأمامهم الرجال منهم من هو على الخيل ومنهم من على رجليه، والنساء يحملونهن في هياكل عالية تسمى عند أولاد سليمان(الكرموت)، ورافقت في ذاك اليوم طالب علم متجول يدعى (عبدالعاطي) وقد أتى من طرابلس الغرب وبالتحديد من (مصراته) وأضاف لنفسه لقب الشريف،فكان لسنوات يأتي كل ربيع لأولاد سليمان في كانم يعلم أطفالهم ويكتب لهم التعاويذ والرقيات.
وفي 25 أبريل لم نتقدم تقدما ملموسا نظرا لقفز صغار الجمال وأبائها بصورة مضحكة فتسبب ذالك في خلخلة الأحمال،وكان تلك المناطق تغطيها (السيال-الحراز-السلح-الهجليج
-المرخ-وعشب الحنسليك-والكريش بوركبة) فارتقينا رويدا رويدا حتى دخلنا بلاد (منقا) فوصلنا وادي(فيد فيدي) توقف عبدالجليل عند بئر (كديله)، وفوجئت بأن عائلة (بوعلاق) انتذبت لها مكانا قصيا من قوم عبدالجليل وكان سبب الخصام مجبري من سكان واحة (جالو) يدعى موسى ومعه رفاقه من عشيرته وهم قوم لا يمكن تحملهم،ولأنه أحد أتباع السنوسية قام بإذكاء مشاعر عبدالجليل نحوي
-وبعد ظهيرة 2مايو تحول مخيمنا الهادئ إلى جلبة صاخبة بصيحات الحرب العالية،وقرع الطبل من خيمة الشيخ،وكان السبب ظهور ركبان مشبوهين فوق الأفق الغربي،وبطبيعة الحال يعيش أولاد سليمان القلق نتيجة لأنباء تفيد بأن (ورفلة) حلفائهم في الديار الأم قد انطلقوا من طرابلس الغرب،وشنو حملة واسعة النطاق ضد طوارق كلوي،فكان الخوف من حملة مضاد هنا من الطوارق وهم أخطر أعدائهم وأكثرهم عددا وولعا بالقتال،فتبين أن الجمال تعود إلى عدد من (الشريدات والميايسة) وهم عائدون من حملة على (الدزا) بالقرب بئر (ديرا)
وحاز كل منهم ناقة بالرغم من وجود حلف سلام بين العرب والدزا..
وتحركنا في يوم 6 مايو حتى وصلنا بئر (شكاب) حيث وجدنا الميايسة والشريدات معسكرين هناك،بالقرب من وادي(عقي)-ثم ذكر ضياع بعض الرعوية والعثور عليهم-
فاجتمعت كل عشائر اولاد سليمان على هذا البئر لإتمام رحلتهم معا،ولاحظت أن عدد الأبل التي تملكها هذه القبيلة ليست بالعظيمة،فمثلا (احزاز) نادرا ما يكون لديه أكثر من ثلاثين، والزعيم (عبدالجليل) لديه حوالي خمسين،وكان
أكثرهم غنى (الهيشي) أخ (الأسود) الذي يملك مئة جمل..
وفي 23مايو دار نقاش بين أفراد القبيلة عن بوركو ونخيلها وتقسيمه،وكذالك تحدثوا عن الغزوات،بسبب ورود نبأ بأن(المغاربة) قد أنطلقوا بالفعل نحو (قرو)،هنا تيقنو أنهم سيفقدون محصول تمورهم،فقد وضعوا آمالهم تماما على (الغارات) ضد (إنيدي-ونيانقة-والعرب الخضر)فدعا عبدالجليل إلى اجتماع المجلس العام للقبيلة فضرب الطبل،وفي القبيلة لايوجد سوى طبلين أو نقارتين،واحد يعود للجباير وهو تحت راية الشيخ،والآخر عند الشريدات نظرا لأعدادهم....
-وسيتحدث لاحقا عن لقائه (بالمغاربة) بعد غزوهم سكان (قرو)وعرضهم الغنائم للبيع،وكذالك سيذكر تقاسم أولاد سليمان والمغاربة (لبركو) بالتساوي بعد جدال..ثم نزولهم في بركو وغيرها من الأحداث
▪︎قال نختجال:وفي يوم وصولنا كان(المغاربة) قد عادوا من حملتهم ضد سكان واحة (قرو) وعرضوا عليا شراء أول حصيلة نهبهم،ومنها جملا ضخما متين البنيان،يعود إلى سلالة ممتازة عند (البديات) وهي عند عرب كانم ذات قيمة متناهية لأنها لا تكشفهم حال غزوهم بإصدار الثغاء.
-وفي أول يونيو اجتمع أعيان (أولاد سليمان)
و(المغاربة) عند ين لتقسيم وديان التمر في بوركو فيما بينهم،فوقعت (ين-وكوردي) من نصيب (المغاربة) و (نقر-واللبوي)من نصيب أولاد سليمان،وبينما تركت (بودو-وتيقي-ويردة)
للإستغلال المشترك،فاتجهت اولاد سليمان إلى نقر،وقبيل وصولنا بقليل تعرض الأهالي لغزو من (المحاميد) وأسرو نحو 1500اسير على حسب رواية الأهالي،فما أن وصل العرب إلى بركو حتى اصبحت تعيسة،حيث اعتبرت المنطقة مركز عمليات (لأولاد سليمان) وقسمت نقر إلى جزئين الشمال الشرقي (للميايسة والجباير) والجزء الآخر (للشريدات)،ثم بدأو التخطيط لغزو (إنيدي) فور وصولنا وقد عزمت على مشاركتهم غزوتهم،فقد كان المجموع الكلي للمقاتلين من 400 إلى 500 مقاتل،وانضم إليهم غيرهم،وتخلف بعضهم لحماية الأسر والأطفال،ثم ضاع أملي في المشاركة بسبب جرح جملي،وفي نهاية المطاف شارك في الغارة 100 من (أولاد سليمان)وعدد مماثل من أهالي بوركو،وفي طريق أنضم إليهم 100 من (المغاربة) وأصحابهم من (الدزا) وعند غياب المقاتلين حملتني أنشطتي الطبية أحيانا إلى وسط (الشريدات) وزعيمهم المؤثر (الأسود)
الذي كنت أتمنى التعرف عليه فهو الأشهر في السودان ما بين كل عرب (كانم)..فمرت أربعة عشرة يوما على انطلاق الحملة،ثم عند الظهيرة أمتلأ الحي بالصراخ والعويل والنساء تنثر التراب فوق رؤوسها،وذالك لأشاعة أن مقاتلينا قد أبيدو في إنيدي،فامتطى رجالنا الخيل للتحقق فعاد (الشريدات) بالحقائق،وهي أن أولاد سليمان والدزا دخلوا وادي أنيدي من صوب الشرق،والمغاربة والدزا صوب الشمال الشرق ،واستولى الاولون على أبل كثيرة،فتركوا خلفهم الضعفاء والمرضى،فلحق بهم العدو فقتلوا بعضهم وأسروا بعض،وكانوا 14 عشر رجلا،وحسب الأخبار لم يكن حظ المغاربة بأفضل من الأخرين.
وقد قتل فيمن قتل المرابط (أبراهيم الزيداني)
فعاد أفراد الحملة وأرسلت (إيندي) زعيم الجقدة،لأجل التفاوض حول الأسرى ومعرفة مصير الناس،
وهنا أصبت بالإحباط فطلبت بكل إلحاح من (احزاز) أن يعيدني إلى برنو خلال الثلاث أو الأربع اشهر،فكان رجلا شريفا يتمسك بوعده فطمأن خاطري.
وفي 21أغسطس بدأنا في التحرك ولكن قبلها انتظرنا قدوم الأسود والشيخ السنوسي من طرف الملك علي،وفي اول يوم وصول (السنوسي) أوضح لهم أن لا يمكن أن ينزل على نقر لاعتباره أن المتعاملين معي ليسو بأفضل من النصارى الكفار،بل حث على قتلي بما أنهم يعتبرونه وليا لهم،وبما ان مبعوث الملك لم يرضى بالنزول علينا،كذالك عبدالجليل لم يرد أن يحط من قدره فيذهب إليه،فتوجه إليه محمد بن عمر وصهره أحزاز،فدخل أحزاز في صلب الموضوع مباشرة،وقال له:إن الجباير الذين أدنتهم مثل أمير المؤمنين،ومثل الحواضر،ومثل الخديوي فكلهم يتعاملون مع النصارى فغلبه،وهذا حسب اعتقاد أحزاز الديني الذي لا يوجد فيه غدر ولا خيانة،فاندفع السنوسي وتراجع خطوة خطوة حتى وصلوا لحل..
-وسيذكر لاحقا تعرفه على (الأسود) ولقائه (بالأحيمر) مبعوث الملك،وخلاف حصل في التحالفات بين اولاد سليمان والمغاربة،نحو الوداي والبرنو
-وكذالك خلاف بينهم على مناطق(تقي-وبدو- ويردة) وغيرها من الأحداث
▪︎قال جوستاف:في هذا الوقت سنحت لي الفرصة للتعرف على (الأسود) فقد طلب مشورتي الطبية لطفل عنده سوء تغذية ووصل إلى ختام دربه،ووالده كان رجلا قويا،يقترب من أواسط الأربعينات،وهو جلف صريح،وكان له بالغ الأثر في نفسي لإيمانه العميق.
-وحاول الإحيمر شراء جواد معين (للمغاربة) الذي ضربت شهرته الأفآق في السرعة والقوة والتحمل حتى وصلت وداي،ولكن مفاوضات لحيمر لشرائه لم تصل لنتيجة لأن صاحبه كابر وعاند وأعلن أنه يدين لجواده في الغزوات،وهنا أعلن آخر منهم أنه إذا دخل (أولاد سليمان) في وشائج صداقة (وداي) فإن (المغاربة) سيقفون دائما إلى جانب الشيخ عمر شيخ (البرنو)
ثم رحلنا في الأول من سبتمبر،فوصلنا واحة (كيردي) وعند الشروق خطف أبصارنا سهل لوادي فسيح به بساتين النخل،وخلال راحة النهار بدأنا في تخصيص الوديان الثلاث (تقي- وبدو-ويردة)وبعد نقاش امتد بلا نهاية بل ونزاع
،تقرر أن نترك (نقي) برمتها (للمغاربة) و(بدو) تقتصر على أولاد سليمان وأما يردة فثلثاها من نصيب الآخرين،وثلثاها للأولين.
-وفي المساء نصبنا خيامنا وتوجه (احزاز) مع النبلاء للإستطلاع القرية فوجد الأهالي مشغولين بجني التمر،وقد أختاروا بقرة كهدية ترحاب (بعبدالجليل)،وكان من عادة العرب أنهم لايجنون التمر بأنفسهم
وفي 1871 تحركنا صوب الشمال إلى إقليم (منقا) وهنا نهاية حدود كانم نحو الشمال،وبعد ثلاثين كيلو متر أو أكثر وصلنا تخوم (عقي) ثم إلى (بداودنقا=بوردنقا) ثم إلى وادي (كري) و(جلمنقا)،وكان العرب يحرفون كل أسماء مواضع القبائل في كانم ويبدلونها بأسماء أخرى
،ومنها منطقة (ترو) كانت تعود (للجقدة) حتى استقرار أولاد سليمان فسمي أهلها (ناس أودى)
-وكذالك المراعي هناك التي تعود (للنكزا) ومحطات الأبآر المجاورة التي هي من ممتلكات (النوريا أو النورما) يشعر أولاد سليمان والمغاربة
أن لهم حق فيها مثلما لأصحابها الذين توارثوها أبا عن جد،وفي كل عام يتناقص عدد السكان المستقرون والبدو في أعدادهم إذ أن أولاد سليمان والطوارق قد أنقصوهم..
وكذالك محطة (بيدادي) على طريق وداي كانت مأهولة بالسكان من أمة (التدا) إلا أنهم تعرضوا للطرد من قبل (المغاربة) والأسر.
-ثم تكلم بشكل موسع جدا على الأماكن هناك وسكانها وتضاريسها وحيوناتهم ولباسهم وأشجار الوديان وتعداد السكان هناك ودياناتهم.
-سيتكلم لاحقا عن سقوط الزغاوة أمام أمبراطورية البرنو،ورأيه في التبو وأنهم أنقياء من قدم العصور لم تطرأ عليهم تغيرات وأنهم ليسوا بعرب ولا زنوج،إنما بربر،ثم يتحدث عن العودة إلى كانم وتحدث (أحمد أجزيع زعيم الشريدات عن بطولات الأجداد) وغيرها من الأحداث ..
▪︎قال نختجال:في 23 سبتمبر تحركنا نحو الجنوب الغربي قرب بئر (برودقل) ولحق بنا الجباير والميايسة الذين بقوا خلفنا،وكان الشريدات قد وصلوا جميعهم وتجاذبت أطراف الحديث مع (أحمد الجزيع)أو الجيزية العجوز،وهو الزعيم الأسمي للشريدات ووالد الأسود وهيشي عن سالف الأيام،وجعلته يحدثني عن زمن مآثر البطولية لعبدالجليل الكبير وغزواته في الأقاليم وثرائه في الرجال والجمال..ثم مع شروق الشمس يو 25سبتمبر
بدأنا المسير حتى هبطنا إلى داخل سهل (بودلي) ومررنا بالمدينة المسحورة،وسرعان ما لفتنا كتل الغبار والرمل فاختفت أثار الخيول والجمال في لمح البصر،فضللنا الطريق فاختلف كلا من حسين ناقوماتي الراعي،ومعتوق حسن راعي جمال عائلة بوعلاق على الطريق فبقينا حوالي 5 ساعات ولم نجد الماء،وضاع آخر منا رجل يسمى (حمو) فعزمت على البحث عنه بعد موافقة احزاز فخرجت بمرافقة خميس من المحاميد،وبالرغم من أثار أقدام (حمو)الكبيرة إلا أننا لم نجده،ثم بلغنا أنه وصل للبئر التي أخطأناها،فقمنا جميعا في29 ديسمبر بالوصول لبئر (تنقر) وقد قيل لنا أن أولاد راشد ومسيرية وداي،يرعون بالقرب من (بحر غزال) فخطط لمهاجمتهم ثم تركوا نظرا لعدم القوة الكافية..
وفي 13 أكتوبر تحركنا حتى وصلنا ضواحي بئر (الحيمر) فدق طبل عبدالجليل فاجتمع الرجال للتشاور،في شأن قافلة (لعرب وداي) في طريقها لبركو لجلب الملح من البدو،و(المغاربة) بدورهم الذين اعترضوا منذ بدأ المعاهدات مع الملك علي متأهبين للهجوم على هؤلاء القوم،بل (أولاد سليمان) كذالك لم يكن بمقدورهم مقاومة حماسهم للنهب،فعاتبتهم
لوجود معاهدة بينهم وبين هؤلاء،ولكني كنت أنفخ في قربة مقطوعة،فجاء خال (عبدالجليل) من أولاد حامد فأقسم لهم أنه لا يوجد قافلة،ولكن أبو وقالوا إذا لم توجد،هاجمنا (وون) وهي قرية (للنورية والنكزا)،وبلغنا أن عرب وداي ينوون الهجوم علينا وكذالك قيل أن الطوراق أيضا يبيتون النية لخرق السلام معنا، وتبين أنها كلها إشاعات،فعاد رجالنا من الغزوة محبطين فقد تبين أنه لا وجود لقافلة،وكذالك أهالي (وون)أبلغوا عن نية الهجوم فتركوهم، فغضب الرجال وخاصة (الأسود) والشريدات وتنادوا بالثأر من زعيم الجقدة،ولم يوافقهم الجباير وعبدالجليل نظر للصداقة ففارقونا ولم نلتقي بهم إلا فيما بعد،فوصلنا في18أكتوبر إلى (برودنقا) ولحق بنا من جديد الشريدات الذين كان حماسهم للسلب والنهب شديدا وكانوا في حالة غضب شديد،وحصلت معركة في تلك المناطق بين (السكردة) و(الدقوردة)
فألحقت بالدقوردة هزيمة فادحة راح ضحيتها زعيم القبيلة وآخرون،ومن نجا فر إلى (ماو)
-وأما (المغاربة) الذين لا يميلون أبدا إلى ملك وداي،فقد أستشاطوا غضبا عليه،مما زادهم تصميما على الهجوم على (أولاد راشد)،ونظرا لقوة هؤلاء العرب لم تكن المهمة سهلة،فوزنت القوة فوجد أن قوتنا تكفي لتفيذ غارة مفاجئة
-فعسكر العرب على بئر (الهاشة)ثم اصبحت غزوتنا في خبر كان نظرا لعدم وجود الماء الكافي حتى حن علي(مسعود بوخريص) بطبق من العصيد لأحافظ على نفسي..وفي 12 نوفمبر وصلنا للبئر الأولى في وداي قرب كانم تسمى (بوفمين)..
وفي 23 نوفمبر كنا في يوم مشهود لا ينسى بالنسبة لي،وذالك بوصول الجليل (بوعلاق) من مرابض القبيلة في (شتاتي) وانضم إلينا بجماله ورقيقه عند الظهيرة ونزل في ظلال الأشجار، ونظر لعدم وجود أي عنصر نسائي فقد أخذنا راحتنا وصار المكان ملائما،في تتابع لا ينتهي ظهر واحد تلو الأخر لتحية هذا النبيل الأكثر شعبية،والأكثر تقديرا بحق من طرف أفراد القبيلة،ثم جلسوا للكلام على أخبار برنو ووداي وباقرمي بل إلى الوطن البعيد (فزان)..
-سيتحدث لاحقا عن غزو قافلة للكانمبو وقوم (حلوف) من قبل القبيلة وقتل كل من وجد فيها،وقصة لأحد الشريدات يدعى (علي خليفة) وغيرها من الأحداث..
▪︎قال نختجال:بعد عودة (بوعلاق) في مايو من بحيرة فتري،جاءت المعلومات (لمحمد بوعلاق) عضو مجلس (كوكا)عن طريق قافلة قادمة من فزان بأن النصارى يخوضون حربا دموية فيما بينهم
-وفي يوم وصول (بوعلاق)وضع جماعتنا خطة
لسلب قافلة لتجار مسالمين قادمين من برنو، وكان من بينهم من هو من عشيرتهم،فعزمت القافلة على المبيت ثم السفر في اليوم التالي،وكان مبيتهم ليس ببعيد من مخيمنا وكانت تتألف القافلة من أفراد من (الكنمبو) وقليل من قوم (حلوف) وتاجر من كوكا يدعى (علي الزيداني)
ورفيق تابع لعبدالجليل يسمى (بركة مسقو) وكانوا يحملون ثياب البرنو التي لها قيمة في أسواق البرنو،وبالرغم من وجود العرب بينهم وحلفاء العرب مما يعطيهم نوعا من الأمان والسلم،إلا أن رفاقي ألا مبالين شنو عليهم هجوما مباغتا،فخرجت لأرى كيف سارت الأمور،وعند وصولي كانت العملية قد انتهت،ولم أتمكن سوى من رؤية المنظر المحزن والمنفر لأحد أفراد (الميايسة) يدعى (العلام)
وهو يرتكب جريمة قتل حنقا لعدم وقوع أي غنيمة في نصيبه،فقد أردى رجلا (كاجتيا) تعيسا معلما بطلقة عندما امتنع من تسليم الشيئ الوحيد الذي يملكه وهو رداؤه المهلهل العتيق،فغضبت جدا لهذا الأمر فعدت للمخيم
-وعاد قطاع الطريق بالغنيمة محملين بالأثواب
وقد نلت شيئا من الرضا حين رأيتهم يقطعون (حسين بوقاماتي) جلدا حتى أصبح كالهلامة وجرد من أسلابه،وكان ذالك بواسطة (علي خليفة الشريدي) رجل معروف في الشريدات ، حيث وصل مع قومه وطالبوا بنصيبهم من الغنيمة،وعندما قوبل طلبه بالرفض قام بكل بساطة بضرب حسين ضربا مبرح وسلبه غنيمته
فبقي لعدة أيام في داره لا يخرج، وأوضح حساب الغنائم أن:
الشريدات أستولوا على 650
والميايسة أستولوا على 300
والجباير أستولوا على 150
وانقضى اليوم وأفراد القبيلة في نزاع حول هذا الفعل الشنيع،فبعض رجالها الواعيين المحترمين أدانوا العملية تماما،وأرادوا إعادة كل السلب لأهله،ولكن باءت كل هذه المحاورات بالفشل،ولم يعيدوا سوى 200 قطعة لقوم حلوف
ثم ذهبت (لبوعلاق) وشكوت له الشهور المأسوية ورغبتي في العودة،فقرر الرجل الطيب السريرة أن يقوم بنفسه برحلة قصيرة معي...
▪︎هنا أنتهى هذا الجزء من الكتاب،وقد نقلت لكم باختصار ما ذكره هذا الرحالة في رحلته التاريخية مع بعض من أبرز القبائل العربية في ليبيا وكانم وهي قبيلة (أولاد سليمان)،وقد وثق فيه حياة البدو الرحل من الليبيين في تلك البقاع النائية في عمق أفريقيا،وتحالفاتهم وأساليب حياتهم وغزواتهم وأعرافهم..
+المصدر
من كتاب الصحراء وبلاد السودان
للمؤرخ جوستاف نختجال