تان افلا

تان افلا

(تان أفلا) 

قرية مثيرة على حافة مملكة الصحراء 


هيمن الجرمنت برشاقة مقاتليهم وسرعة حركتهم، وحنكة وخبرة زعماؤهم المحليون في إدارة الموارد، على مساحات شاسعة من الصحراء الكبرى، عبر السيطرة على ممرات وطرق تجارة الترانزيت، وفق تنظيم محكم وإدارة فاعلة، بانشاء تجمعات سكانية، ونقاط مراقبة وحصون للاستطلاع، على طول امتداد الطرق والمسارات التجارية العابرة للصحراء.

ويعتبر تجمع (تان أفلا) واحدًا من أنذر الأمثلة عن استراتيجية إدارة طرق التجارة، ونموذج حي يعبر عن مظاهر الحياة السائدة في فترة ازدهار الحضارة الجرمنتية، وينطوي على أدلة مهمة حول مدى توسع نطاق سيطرة مملكة الجرمنتيين على مساحات واسعة من أراضي الصحراء، وبراعتهم في إدارة وتنظيم الشبكة التجارية المعقدة بين ساحل البحر المتوسط ودول جنوب الصحراء، وتنم عن كفاءتهم في استثمار الأراضي الصالحة للزراعة، ونجاحهم منقطع النظير في تطويرها بواسطة (الفقارات)، التي تمثل أنظمة ري ماتزال مثار بحث من العلماء.

فقد كشفت أعمال التنقيب الأثري في وادي (تنازوفت)، الممتد على طول حافة (تادرارات أكاكوس) الغربية، عن تجمع سكني أو قرية ريفية، ومقبرة كبيرة على أطراف قرية (الفيوت) الواقعة على مسافة 10 كيلومترا غرب مدينة غات.

وتشير دراسات البعثة الليبية الايطالية العاملة في الأكاكوس ومساك، إلى أن التجمع السكني (تان أفالا)، الذي شهد تطورًا تقريبا بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، دمر جزئيا نتيجة نشوب حريق، أسفر عن هجرة أعداد كبيرة من سكانه، فيما هجر ماتبقى من السكان المقدر عددهم مابين 30 إلى 40 شخصًا، في قترة لاحقة.

 ويعتبر موقع (تان أفالا) إلى جانب مدينة جرمة الأثرية، الموقع الجرمنتي الأكثر بروزًا في منطقة الصحراء، بمايحمله من أدلة وشواهد عن الحضارة الكثر غموضًا في الصحراء الكبرى، كما منح العلماء فرصة كبيرة للتعرف على نمط الحياة بعيدًا عن مركز الحضارة الجرمنتية في وادي الآجال، وصنفه الخبراء بأنه أقدم قرية ريفية داخل واحة في منطقة فزان.

وعثر فريق البعثة فوق هضبة من الحجري الرملي تقع على مسافة 500 متر من المجمع السكني، على مدافن تتباين مدافنها إلى ثلاثة أنواع رئيسية، على هيئة كومة بسيطة من الحصى الصغيرة، ومقابر على شكل قبة ترتكز منصات حجرية؛ وأخرى دائرية، كشف بداخلها عن آثاث جنائزي، قدم معلومات عن ممارسات الدفن وتطور التجارة عبر الصحراء.

ويذهب تقرير البعثة باشراف (لوسيا موري)،  إلى أن موقع (تان أفالا)، كان تجمع ضمن شبكة من الحواضر الجرمنتية، المرتبطة بالمراكز الرئيسية حيث يستقر الحكام المحليون والنخبة المحلي على الأرجح في منطقة غات والبركت وتين الكوم. 

وحددت مساحة مستوطنة (تان أفالا) داخل الجدار الخارجي بحوالي 300 متر مربع، تم بناء مساكنها على قاعدة منخفضة تتألف من ألواح من الحجر الرملي، ترتبط بطبقة من المونة من الرواسب الرملية والطمية الرملية الممزوجة بالماء. وفوق هذه القاعدة الحجرية، تم بناء جدار من الطوب الطيني، يبلغ إجمالي ارتفاعه نحو 4.5 متر، وتحتوي القرية على بوابة واحدة تفضي إلى فناء مركزي تتوزع حوله 13 من الوحدات السكنية، التي تتراوح مساحتها ما بين حوالي 4.5 متر مربع كحد أدنى للغرف المستطيلة ، و 20 مترًا مربعًا للغرف المربعة بحد أقصى، وبالتالي فإن متوسط مساحة الوحدات الفردية يبلغ حوالي 25 م 2. وكان يقطنها في المتوسط (شخصان بالغان وطفل واحد أو طفلين).

وقسم خبراء الآثار توزيع استخدامات الغرف داخل منازل المستوطنة إلى غرف مخصصة للنوم، وأخرى لطهي الطعام باستخدام مواقد حجرية وسط الغرف تعلوها فتحات في السقف لتصريف الدخان الناجم عن المواد المستخدمة في ايقاد النيران، ومخازن استخدم في تشييد جدرانها الفخار؛ كانت تستخدم بشكل رئيسي لتخزين الطعام والأواني والأدوات المستعملة في حفظ وتخزين الفواكه والخضار.

ويرجح الخبراء أن مستوطن (تام أفالا) يمكن أن يكون نقطة توقف لمرور القوافل، التي ربما تكون قد خيمت على أطراف القرية لتبادل البضائع مع السكان المحليين والحصول على التموين، قبل العبور إلى هضبة تاسيلي.

-  مصدر الصور والمعلومات والرسوم التخطيطية منشورات البعثة الايطالية الليبية العاملة في الأكاكوس ومساك