فزان والمقاومة
إنضمام أهالي فزان إلي صفوف المقاومة الشعبية : 1912- 1913م :
عندما وقع الغزو الايطالي لولاية طرابلس الغرب 1911م ، ارسلت رسائل إلي مشائخ فزان ، لحشد المجاهدين للقتال ، وفعلآ استجاب عبدالسلام السني ( رئيس القبلة ) وجمع حملة كبيرة سرعان ماسافرت إلي طرابلس للمشاركة في الجهاد ، وأشار الرحالة الانجليزي "إي . إيش . غريفن " إلي هدا الحادث فكتب : " فمن ( فزان ) البعيدة جاءت زمرة متوحشة من رجال القبائل تجر أقدامها فوق الرمال بعد أن أعفي رجالها من واجب مراقبة الخط الساحلي وكانوا في طريقهم عودتهم إلي الجبال . كانوا محاربين دوي بشرة داكنة ومظهرهم ينم عن شراسة ، وقد ارتدوا ثيابآ غريبة ووضعوا علي وجوهم أقنعة أضفت عليهم مظهرآ أكثر بربرية . وبالإضافة إلي البنادق التي علقوها علي أكتافهم فإنهم احتفضوا بما ورثوه عن أجدادهم من سلاح إد حمل كل منهم رمحآ أو سيفآ . وكان بإمكان هده الأسلحة الموروثة أن تحكي قصصآ وحكايات غريبة ، فقد حمل البعض منهم آثارآ تشير إلي قدم عهدها ولعلها صنعت لإحدي الحملات الصلبية الماضية . كان الفزانيون هؤلاء رجالآ خشني المظهر ، دوي بأس شديد ، ولا أخاليني أشك في مقدار مافرضوا من احترام علي عدوهم ، وقد أضيفت جمالهم لمسة بدبعة علي المشهد من خلال حملها الهوادج التي تم سترها بعناية إدا أنها كانت تضم نساء المقاتلين وأطفالهم .وماهي إلا دقائق معدودة حتي ابتلعتهم الصحراء " .
ويتحدث الرحالة الإنجليزي آلن أوستلر في كتابه (عرب طرابلس) The Arabs in Tripoli By Alan Ostler. عن أهل فزان الشجعان الذين جاءوا من كل حدب وصوب يتدفقون من صحرائنا الشاسعة وواحاتنا الجميلة في الجنوب للالتحاق باخوانهم ليشتركوا معهم في "معركة قرقارش المجيدة"..التي أنتصروا فيها وألحقوا بالعدو هزيمة تاريخية لن ينساها، وكانت غنائم المعركة كثيرة حتى أن نقلها تطلب قافلة من الأبل والخيول. وكان من بين الغنائم مسدسات أوتوماتيكية لم يشاهدها الليبيون من قبل... والله إن هؤلاء الناس لهم من أشجع الشجعان، (حتى أن بعضهم جاءوا بالسيوف من أعماق الصحراء لعدم تمكنهم من الحصول على أسلحة نارية هناك).
يقول ألن أوستلر: جاء أحد الفزازنة إلى خيمتي وهو متحمس ويناديني لدرجة أن وجهه كاد أن يلتصق بوجهي، يطلب مني الحضور إلى خيامهم الواقعة في أطراف المخيم. ويستطرد أوستلر فيقول: تبعته وشاهدت تلك المرأة الفزانية وهي تصرخ بأهازيج وتراتيل لم أفهمها، كل ما فهمته هو أنها باللغة العربية ولكنها بلهجة غير معروفة لدي، فلم أفهم إلا كلمة واحدة من كل عشر كلمات، مثل الرجال في حركاتها حتى خطواتها كانت واسعة مثل خطوات الرجال، وكانت تترنح بسكرات معركة الأمس، تلتوي إلى الأمام ثم إلى الخلف وعيناها شبه مغمضة، إلا أنها كانت تفتحهما بين الحين والآخر بنظرات قاسية تحت حاجبين ملتويين.
ويستطرد: أعتقدت أنها كانت لا تزال تمثل أحداث المعركة التي خاضتها بالأمس في قرقارش حينما كانت تركض في إتجاه المعركة ومعها كثير من النساء اللائي التحقن بالرجال، فكانت تركض في عجلة من أمرها لتتقدم الرجال، فأصيبت بشظية طلقة مدفع في يدها، فكانت توميء بها والدماء تسيل منها في إتجاه المحاربين وتقول لهم: والله إن أرتد أي منكم سنقطع وجهه بأظافرنا هذه ونرمي به ليعيش مع الأطفال.
ووصلت إلى مرحلة لم تعد تتمالك فيها نفسها، فكانت أول من وصل إلى حافة الخندق الأول الذي غادره من نجا من الإيطاليين هربا بحياته، فغطست ذراعها حتى المرفق في ترعة حديثة من الدماء، ثم وقفت على حافة الخندق منتصبة وكأنها (آلهة حرب أفريقية) تنادي الرجال لدخول المعركة. وعلق أحد الحضور قائلاً "ما شاء الله... ما شاء الله.. أنا متأكد من أنها كسرت جمجمة أو جمجمتين بعصاتها تلك".
وهكذا شاهدتها هذا اليوم تولول (تزغرد) وترقص رقصات الحرب وهي لا تزال متوهجة المشاعر تطلب بندقية للدفاع بها عن وطنها الغالي ليبيا. فقربت من خيمة قائد المجاهدين وطلبت منه أن يعطيها بندقية، وكان قد سمع بقصتها وبأنها كانت في المعركة تحارب بعصاتها، فابتسم ولـبّي مطلبها فخرجت من الخيمة ببندقيتها وهي ومن معها يرقصون من الفرح.
المصدر :
مدونة ضي الهلال أحمد أقحيص القمودي ، دراسة غير منشورة.
https://albunyanalmarsus.com